قبل ان يغير السوريون نظرتهم الى العماد ميشال عون فانهم تعاملوا معه بقسوة منقطعة النظير الى حد مطاردته من قصر بعبدا الى اقبية السفارة الفرنسية القريبة. كما تعاطوا مع الجيش الذي كان معه بمنتهى الشدة، الى حد اتهامه بانه لا يقل عداء لهم من الرئيس العراقي صدام حسين الامر الذي ادى الى الفتك بهم من دون رحمة في اماكن تواجدهم بين محلة عاليه- ضهر الوحش وصولا الى بعبدا، ومن الضاحية الجنوبية صعودا الى حيث تحصن في قصر الرئاسة. وفي الحالين جرت مطاردة عون الى حد اعتباره عارا على الجيش ليس لانه لم يقاتل بل لانه هرب من ارض المعركة مع عدد من المقربين جدا مثل اللواء عصام ابو جمرة حاملين معهم ما لذ وطاب من ملايين تبرعات من غشهم تحت عنوان «يا شعب لبنان العظيم»؟!
قبل ايام قليلة اعلن نائب وزير الخارجية السورية فيصل مقداد، في معرض اشادته بعون، انه يستحق رئاسة الجمهورية. وقال «اننا لا نريد لاي بلد او لكائن من كان ان يتدخل بشؤون لبنان» مؤكدا «لقد اعتدنا احترام ارادة اللبنانيين وعلى الاخرين ان يفعلوا ذلك»، واستدرك مقداد «لا يعني موقفنا على الاطلاق تدخلا ضد رغبات الشعب اللبناني، من غير اشارة من المسؤول السوري الى ما فعله شعبه وجيشه بالجنرال الشهم (…)
كذلك لفت مقداد الى ان رئيس تكتل التغيير والاصلاح الجنرال ميشال عون مؤمن بلبنان وبسيادته وبالعلاقات السورية – اللبنانية، من غير ان يشير الى دواعي تغيير سوريا وجهة نظرها، ربما لضرورة ايجاد حلول لمشاكل لبنان، في حال اختير عون رئيسا للجمهورية ما يعني من وجهة نظر سوريا انه يستحق ذلك (…)
وفي المقابل، فان المناخ السياسي المرتبط بعلاقة رئيس مجلس النواب نبيه بري وقوى8 اذار بالجنرال عون، تكاد توحي وكأن رئيس حركة امل قد حسم امره نسبيا لجهة تأييد ترشح عون للرئاسة وليس من يعرف سبب تقاعس الاخير عن اعلان ذلك صراحة، ربما لانه يخشى الانقلاب عليه في الساعات الاخيرة، حيث لا بد وان يتذكر كيف طارده السوريون من بعبدا وكيف اجبروه على التخلي عن طموحه بأن يكون رئيسا للجمهورية بقوة الامر الواقع، كما كان يعتقد في اواخر الثمانينات، من غير حاجة الى ان يقبض تعهدات السوريين عن جد بعدما استعاد في وعيه الباطني ماذا فعلوا به قبل زهاء خمسة وعشرين سنة لاسيما ان بعض المقربين لا يزال يتصور ان عون قادر على الانقلاب على السوريين وحلفائهم ممن يناهضون رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في السباق الرئاسي.
ثمة من يجزم في هذا السياق بان سابقة الشغور الرئاسي في العام 2007 لا تصح لما هو في العام 2014، لجهة اهمية الوصول الى الاقتناع بان عون لا بد وان يعاني من وهم غير مقبول من جهة خصومه في 14 اذار، ليس لان جعجع هو الخصم، بل لان الاخير قادر على ان يمنع عون من الوصول الى بعبدا نظرا لما يتمتع به من قدرات ليس من مصلحة اصحابها ان تجافيه، كونها لم تجرب عون في مجال قيادته السياسية للبلد، مع العلم انه مؤيد حتى العظم للسلاح غير الشرعي في يد حزب الله، كذلك بالنسبة الى مشاركة حزب الله في الحرب السورية، وهذا معروف من جميع الذين بوسعهم القول ان «مجالات التعاطي السياسي مع عون غير واردة الا في حال الايمان بان الجنرال قادر على الانقلاب عليهم عندما تدعوه حاجته لاسيما ان اموره الشخصية غير محسوبة الا من جهة ما يصب ضد مصلحة 14 اذار في مطلق الاحوال؟!
ومن جهة ثانية، ماذا بوسع المؤسسات المارونية ان تفعله مع سيد بكركي، بعد طول استطلاع القيادات موقفها من الانتخابات الرئاسية، لاسيما ان جماعة عون ترى في ترشح جعجع مدخلا ملحا لقطع الطريق على عون وعلى كل ما تقبل به قوى 8 اذار، لان النتيجة واحدة في مجال دعم عون بما في ذلك حجب ذلك عن جعجع، فيما تبقى النتيجة «لا عون سيصل ولا جعجع سيسمح له بذلك» بحسب اجماع القيادات المسيحية؟!