نجح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في إعادة انتخاب رئيس الجمهورية أولوية على كل طاولة. كانت الحركة السياسية انحرفت بعيداً في بحث تقاسم صلاحيات الرئاسة والأدوار في مجلس النواب ومجلس الوزراء. ومواضيع أخرى طغت على الاهتمامات لكأن فراغ القصر الجمهورية صار خبراً عادياً، بائتاً بالاحرى، والناس اعتادوا الجمهورية بلا رأس وإلى أمد غير محدود. فكيف إذا كان ثمة من يسحبون أمامهم كلما طلع الصباح أرنباً من جيب أو قبعة؟
رأى جعجع سياسيين غارقين في مفاوضات عقيمة وتشابكات متعددة الموضوع، ولبنانيين متلهين بمشكلات معيشية ويومية وإعلامية، يتخبطون فيها بلا أفق ولا قدرة على رؤية حلول واقعية لأن المعالجة تبدأ من قمة الهرم أو لا تكون. أعاد تصويب الوضع: الرئاسة هي الموضوع. لماذا لم يحصل الإنتخاب بعد؟ لماذا لا يحصل خلال أيام وأسابيع؟
يدرك مرشح قوى 14 آذار وحلفاؤه وأنصارهم بوضوح أهداف تكتيك الخصم من فرض الفراغ، لا سيما أن هذا الخصم قادر على التصرف بلا مسؤولية مطلقة تجاه الناس والوطن من وجهة نظر “التحالف السيادي”. أهداف ليس أقلها التيئيس من جهة، والضغط في ظروف مناسبة لحمل رافضي الأمر الواقع على الاستسلام والقبول بترئيس مرشح يمثل بنهجه السياسي والشخصي ذروة الانقلاب على كل ما تؤمن به قوى 14 آذار وما ضحت ولا تزال في سبيله.
بين ضخ إعلامي مرئي ومكتوب ومسموع يركز، عن سوء نية أو حسن نية على مساواة ظالمة في توزيع المسؤولية عن الفراغ على الجنرال ميشال عون كما على الدكتور جعجع، وبين شعور عام بالاستياء لدى الناس، لا سيما المسيحيين من صورة واحدة تجمع الثنائي رغم الاختلاف الجذري بينهما داخل إطار واحد للقول “لقد خربا حياتنا قبل ربع قرن وها هما يكرران الفعلة نفسها اليوم… هل هما قدر علينا؟”… وبإزاء تسطيح كهذا لا يوصف، قرر جعجع وضع النقط على الحروف بالملموس. لسان حاله “يا توما هات إصبعك وضعها على الجرح”. تقولون إني عقبة وترشيحي استفزازي؟ حسناً لست عقبة. إليك يا جنرال هذا العرض (عرض بات معروفا: ذهاب الرجلين إلى جلسة انتخاب، أو اتفاق كل فريق على مرشح يراه ممتلكاً صفة التوافق وخوض الانتخاب بهما، أو تقديم أي اقتراح آخر).
كان رئيس “القوات” عارفاً أن المرشح الآخر، خصمه المتحالف مع رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي أشاد به أخيراً ورحب برئاسته، والمنخرط مع “حزب الله” في محور قيادة وصراع على مستوى المنطقة، سوف يلوذ بصمت “أبي الهول” تماماً كما فعل، وسيظل يراهن إن لم يكن على معجزة – تحمل جزءاً من 14 آذار على الإستسلام أو إطلاق النار على رأسها – فعلى انقلاب ما يقوم به حلفاؤه ليس لمصلحته قصداً بل لمصلحة الحلف الكبير الممتد من طهران إلى بيروت، من نوع الانقلاب الذي يشهده العراق اليوم، ليُتوّج رئيساً رابعاً في سلسلة حكام إيران والعراق سوريا وصولاً إلى لبنان. فات المرشح الصامت أن زمن المعجزات قد ولّى، أن العراق وسوريا أصبحا غير قابلين للحكم، أنه أكثر فأكثر سيتحمل تبعات كبيرة حتى أمام جمهوره الذي لم يعد يجد تبريراً إلا العامل الشخصي: “هذه معركة الجنرال الأخيرة. واترلو”.