وقت كانت الانظار مشدودة الى جلسة مجلس الوزراء التي شهدت اختراقا ايجابيا في مسار العمل الحكومي امس، طغت بعد الجلسة فاجعة مقتل 20 لبنانياً كانوا في عداد ركاب الطائرة الجزائرية التي تحطمت في مالي، وفرضت تحركا رسميا عاجلا للعمل على نقل جثامينهم الى لبنان. ولعل المفارقة الغريبة ان مجلس الوزراء لم يتبلغ طوال ساعات من انعقاده الحادث. وعقب مشاورات عاجلة أجريت بعد الظهر تقرر بناء على توجيهات رئيس مجلس الوزراء تمام سلام وبعد التنسيق مع وزيري الخارجية والداخلية جبران باسيل ونهاد المشنوق ان يتوجه وفد مؤلف من المدير العام للمغتربين هيثم جمعة والامين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد خير وضابط من الامن العام الى افريقيا لمتابعة التحقيق الجاري في حادث تحطم الطائرة ومواكبته والعمل على نقل جثامين الضحايا اللبنانيين.
وعلى رغم الانهماك بهذه المأساة، لم تغب أصداء الاختراق الذي حققته الحكومة امس في مجموعة قرارات أدت الى حل مزدوج، اولا لملفي الجامعة اللبنانية ودفع رواتب موظفي القطاع العام، وثانيا لانهاء ظاهرة ما يسمى “وثائق الاتصال ولوائح الاخضاع” الامنية التي تسببت بالكثير من التعقيدات الامنية طوال حقب وخصوصاً في مدينة طرابلس.
وبدا من التسويتين اللتين انتهت اليهما الحكومة في ملفي الجامعة وتغطية دفع الرواتب، انها استعادت زخما ملحوظا في مسارها وإن يكن منطق المحاصصة الحزبية والسياسية الذي طبع تسوية تعيين عمداء الجامعة اللبنانية شكل علامة سلبية شابت هذا الاختراق الحكومي. وقد شملت التسوية تعيين 19 عميدا للكليات في الجامعة اللبنانية وعميدين عضوين في مجلس الجامعة، كما وافق مجلس الوزراء على اجراء الجامعة اللبنانية عقود تفريغ الاساتذة الجامعيين الذين اقترحهم وزير التربية والتعليم العالي. اما القرار الامني البارز الذي وافق عليه المجلس فتناول الغاء وثائق الاتصال ولوائح الاخضاع الصادرة عن الاجهزة الامنية حتى تاريخ صدور القرار الحكومي وتكليف وزراء الداخلية والدفاع والعدل اعادة النظر في الاجراءات المتعلقة بهذا الموضوع. وفي الملف المالي وافق المجلس على استرداد مشروع القانون المتعلق بفتح اعتماد اضافي بقيمة 1585 مليار ليرة لتغطية الرواتب والاجور من احتياط الموازنة بكل بنودها بعد الغاء المبالغ المجدولة في الاحتياط لتغذية مختلف بنود الموازنة.
وأوضحت مصادر وزارية لـ”النهار” ان جلسة مجلس الوزراء امس شهدت تسويتين سياسيتين: الاولى بين “التيار الوطني الحر” وحزب الكتائب بعد اتمام المصالحة بين وزير التربية الياس بو صعب ووزير العمل سجعان قزي أنتجت اتفاقا على ملف الجامعة اللبنانية. والثانية بين تيار “المستقبل” وحركة “أمل” انتجت اتفاقاً على ملف صرف الرواتب.
في شأن ملف الجامعة الذي كان البند الاول على جدول الاعمال تحدث اولا وزير التربية عن الوضع الشامل المتصل بتفريغ الاساتذة وتعيين العمداء وفقاً لما انتهت اليه الاتصالات، فأقر المجلس هذا البند بشبه اجماع بعدما تحفظ وزير الاعلام رمزي جريج عن الطريقة التي أديرت فيها الامور، لكنه قال انه لن يجعل هذا التحفظ سببا لعرقلة اقرار البند. ثم تحدث الوزير قزي فأوضح انه عندما تحفّظ هو سابقا كان تحفظه تعبيرا عن موقف الكتائب وعندما وافق عبّر ايضا عن موقف الكتائب وتالياً ليس هناك من هو “فاتح على حسابو”.
وخلال اقرار بنود جدول الاعمال حصلت مشادة بين وزير الخارجية جبران باسيل ووزير الصناعة حسين الحاج حسن على خلفية مشروع مرسوم بتعيين 10 أجراء في وزارة الصناعة بعدما اعترض الوزير باسيل على هذا التعيين الذي قال انه يخرق مبدأ متفقا عليه سابقا بعدم اجراء تعيينات في الادارة العامة. وكاد التلاسن ان يهدد استمرار الجلسة، فكان ان تدخل الرئيس سلام وعدد من الوزراء لتهدئة الموقف، فاستجاب باسيل والحاج حسن وقرر المجلس نتيجة ذلك تعيين الاجراء العشرة. كما عيّن المجلس أيضا عشر عاملات تنظيفات في وزارة العمل. ثم كانت لمجلس الوزراء وقفة طويلة عند الوضع الامني الذي عرضه الوزير المشنوق.
واذ بدا رئيس مجلس النواب نبيه بري مرتاحا الى بصماته على التسوية المالية، قال امام زواره ان الاجراء المتعلق بصرف الرواتب ليس نهائيا ويخدم لمدة ثلاثة اشهر “وانا متمسك بعملية الاصول القانونية للانفاق العام، ولن اقبل بتجاوز القانون والى حين انتهاء الاشهر الثلاثة نأمل ان نكون انتخبنا رئيسا للجمهورية وأنجزنا الموازنة وأتممنا الاستحقاقات الاخرى عندها تحل كل الامور”.
“طي صفحة الوصاية“
ووصف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق لـ”النهار” قرار مجلس الوزراء بالغاء “وثائق الاتصال” التي تعتمدها مخابرات الجيش و”لوائح الاخضاع” لدى الامن العام بأنه “انجاز تاريخي والاول من نوعه الذي ينهي آخر معالم الوصاية السورية على لبنان بما يؤكد ان لبنان بلد الحريات وهو بمثابة عيدية للبنانيين قبل عيد الفطر”. وفي معلومات “النهار” ان مجلس الوزراء اتخذ هذا القرار بالاجماع بناء على اقتراح الوزير المشنوق وكلف وزراء الدفاع والداخلية والعدل سمير مقبل والمشنوق وأشرف ريفي وضع قواعد عمل جديدة تستند الى القضاء لتنظيم هذه المسائل. ويشار الى ان الامر لا يتعلق بالشمال وحده بل يتعلق بالبقاع أيضا حيث تفيد المعطيات ان هناك الآلاف من “وثائق الاتصال” التي أثارت توترات انتهت أمس فور صدور قرار مجلس الوزراء.
وقال الوزير ريفي لـ”النهار” ان “الغاء هذه الوثائق ترك ارتياحا عاما بعدما رفع الظلم عن كثير من الشباب اللبناني الذي تعرض لهذا الظلم خلال حقبة الوصاية الامنية السورية وهو بمثابة طي لفصل اسود والعودة الى دولة المؤسسات”. وعلم ان ريفي اتصل بعد الجلسة بمدعي عام التمييز وطلب منه القيام بالاجراءات اللازمة لتعميم القرار والعمل به فورا لوقف العمل بالوثائق الملغاة.
مؤتمر دول الجوار
وفي تطور لافت، أبلغ وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس مجلس الوزراء امس، كما قال لـ”النهار” ان وزراء خارجية الدول المضيفة للاجئين السوريين سيعقدون اجتماعهم المقبل في طرابلس بلبنان في أيلول، وبالتالي يجب البدء باعداد التحضيرات اللازمة لهذه الغاية. وقد تقرر متابعة الموضوع وتأليف لجنة وزارية لهذه الغاية. وقد تقرّر متابعة الموضوع وتأليف لجنة وزارية لهذه الغاية.
وروى الوزير درباس لـ”النهار” كيف تقرر عقد الاجتماع المقبل لدول الجوار السوري في لبنان وتحديدا في طرابلس، فقال انه خلال الاجتماع الاخير لهذه الدول في أيار الماضي بالاردن، وكان هو ممثلا للبنان، طلب وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ان يستضيف العراق الاجتماع المقبل، لكن درباس رفض هذا الطلب قائلا ان الدور هو للبنان في استضافة الاجتماع وبالتالي لن يتخلى عن دوره. عندئذ تكلم وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو مؤيدا موقف الوزير اللبناني، لكنه اقترح ان يكون مكان الاجتماع في طرابلس فوافق الوزير درباس مبدئيا على هذا الاقتراح على ان تستكمل المشاورات في بيروت.