IMLebanon

جلسة الخميس: أمين وبكركي وزمن الوصاية …

نجح سمير جعجع وفؤاد السنيورة، بدعم خفي من بعض الداخل وآخر شبه معلن من بعض الخارج، بردع سعد الحريري عن حسم موقفه في جلسة الخميس المقبل، قبل اقل من 72 ساعة من حلول الشغور الرئاسي. غير أن الأكيد أن المسألة لم تنته عند هذا الحد. لا لما بعد الخميس، ولا حتى بالنسبة إلى جلسة الخميس نفسها.

ذلك أن «طبخة» الأصوات الخمسة والستين لا تزال على النار.

رغم كل محاذيرها ومطبّاتها. حتى أنه يقال إن أجهزة أجنبية انضمّت إلى أخرى محلية، في عملية «رصد» وتنصت شامل على اتصالات الرابية بقنواتها المختلفة، سلكياً ولاسلكياً وإلكترونياً وحتى الحمام الزاجل المقترب من تلك الهضبة. وذلك لصد أي عملية تسلل في الوقت القاتل. وفي غرف عمليات انتخابية رئاسية في بيروت وخارجها، أُعلن الاستنفار العام منذ ايام، لسدّ أي خاصرة رخوة أو محاولة «انشقاق». والتركيز يتم في هذا المجال على نوعين من «مكامن خطر»: أولاً، مَن مِن نواب تحالف 14 آذار ينام على ثأر ماض أو لاحق، أو حسابات خصومة مكتومة ــــ نيابية أو حكومية أو سياسية عامة ــــ ضد سمير جعجع. بحيث يمكن أن ينتهز فرصة الاستحقاق الرئاسي لتوجيه ضربته ضده. ثانياً، مَن مِن النواب الآذاريين يعيش أي «حالة خاصة»، قد تشكل نقطة هشة في الموقف أو عطوبة سياسية يمكن أن يستغلها الفريق الآخر. ويؤكد عارفون أن حالة الاستنفار هذه هي ما فرض لقاء باريس الثلاثي، خصوصاً أن موازين القوى التي كشفتها جلسة النصاب الوحيدة في 23 نيسان الماضي، جعلت الأعصاب مشدودة في 14 آذار، والاتهامات متفلّتة. فاستناداً إلى بوانتاج تلك الجلسة، يظهر بوضوح أن هناك ثلاثة نواب آذاريين على الأقل، يرفضون الاقتراع لسمير جعجع. في المقابل، بات محسوماً للجميع بأن ماكينة ميشال عون الانتخابية الرئاسية، ليست في حاجة إلا لصوتين اثنين يخرقان الفريق الآخر لتأكيد فوزه رئيساً.

ولم يكن ينقص تلك الحمى الانتخابية غير مصارحة سعد الحريري لكل من السنيورة وجعجع بأن عون يمكن أن يكون الرئيس الوفاقي. الأمر الذي رفضاه بالمطلق، وفرضا على زعيم المستقبل التراجع عنه، حالياً. غير أن مجرد طرحه أثار المخاوف من السيناريو التالي: ماذا لو ذهبت 14 آذار إلى الجلسة وتأمّن النصاب، وكان الاتفاق قائماً مع عون على إعطائه أصوات الفوز؟! أصلاً، حتى لو أصدر الحريري قراراً واضحاً بتأييد عون للرئاسة، فالأكيد أن أصواتاً من تكتل «لبنان أولاً»، بل من كتلة المستقبل النيابية، ستخرج عن الالتزام بذلك. وبالتالي فإن النموذج المعاكس قابل للتحقق أيضاً: لا يعلن الحريري قراراً واضحاً، غير أن بضعة أصوات يمكن أن تخرج عن «لا قراره» وتذهب إلى حيث الاتجاه العام، لبنانياً وإقليمياً ودولياً، بات يرسم مسار الاستحقاق الرئاسي الإنقاذي الوحيد الممكن؟!

إضافة إلى ذلك، ثمة مصادر أخرى للذعر الآذاري حتى الخميس وما بعد الخميس. منها ما ذكره البعض طيلة الأسابيع الماضية حول اتفاق الأقطاب الأربعة في بكركي: يذهبون إلى الجلسة أولاً. لا فيتو على أي منهم ثانياً. من تتقدم حظوظه للفوز يسلّم له الآخرون ثالثاً. معادلة باتت مرعبة للبعض في 14 آذار الآن. إذ ماذا لو طبقت بحذافيرها يوم الخميس المقبل؟ يحضر الجميع، ويبدأ الاقتراع لثلاثة مرشحين: عون، جعجع وهنري حلو. بنتيجة دورة الاقتراع الأولى، يتفوّق عون على جعجع بأكثر من 13 صوتاً على الأقل، ويتفوّق عون نفسه على حلو بأكثر من 47 صوتاً. فماذا يفعل عندها الملتزمون عهد بكركي؟ أولهم أمين الجميل. ألم يبنَ ذلك العهد على انكفاء غير المتقدمين من الأقطاب الأربعة لصالح الأوفر حظاً؟! ماذا لو شكّلت تلك اللحظة استحقاقاً ضميرياً وأخلاقياً وسياسياً ووطنياً لدى الجميل، كما فعل والده في انتخابات العام 1970؟ فضلاً عن أن كل الأسباب والدوافع والمقتضيات، من الشخصي إلى الوطني وما بينهما، جاهزة ليقوم الجميل بذلك. ثم ماذا يكون موقف بكركي نفسها؟ أليست هي من رسم خارطة الطريق تلك، على قاعدة أن يذهب الأقوياء وحدهم إلى الترشح، وليفز الأقوى من بينهم؟ هل تقدر بكركي أمام نتائج دورة الاقتراع الأولى الحاسمة، ألا تعلن من هو القطب الأقوى؟ وهل تقبل بعدها بالتحايل عليها وعلى مسيحييها وعلى فلسفة النظام اللبناني، بالذهاب إلى خيار آخر، لا من الأقطاب الأقل قوة، بل من خارج الأقطاب حتى؟ أم ستجد بكركي نفسها ملزمة بالقول للجميع، تماماً كما فعلت بعد الاقتراع النيابي سنة 2005: عون هو الزعيم، وهو المستحق، ما يعطي الغطاء اللازم لسعد الحريري لينجز ما بدأه قبل أشهر…

ولأن التاريخ بالتاريخ يُذكر ويذكر، وبالإذن من كل المعنيين ومن كل تقلبات المواقع والمواقف، في زمن الوصاية السورية وسلطاتها البيروتية المتعددة، أجريت ربيع العام 2002، انتخابات فرعية لملء مقعد نيابي شاغر في المتن الشمالي. بعد الاقتراع حاز المرشح المدعوم يومها من القوى السيادية أكثر من 30 ألف صوت. وحازت مرشحة قوى التبعية أقل منه بقليل. ونال مرشح ثالث 1700 صوت. لكن نظام الوصاية قرر فوز المرشح الثالث. لا لشيء إلا كدليل على قدرته التعسفية على قهر الناس ومسخ إراداتهم. اليوم، يتكرر المشهد نفسه. أكثر من 60 صوتاً لعون. وأقل من 50 لخصمه. فأي وصاية خارجية وتبعية محلية ستفرضان على اللبنانيين وعلى بكركي فوز مرشح ثالث؟