فيما ترزح البلاد تحت وطأة الملفّات المطلبية والمعيشية، يبقى الاستحقاق الرئاسي العنوان الأوّل، مع استمرار غياب أيّ معطى يؤشّر إلى أنّ جلسة الانتخاب التاسعة المقرّرة اليوم سيكون مصيرها على عكس سابقاتها، فيما نشطت الاتصالات عشيّة جلسة مجلس الوزراء لحَلّ البنود العالقة على جدول أعماله، وقد وُضِعت رواتب الموظفين في القطاع العام على هذا الجدول. وفي الموازاة تستمرّ الاتصالات لتذليل العقبات التي حالت دون عقد جلسة تشريعية حتى الآن.
وعشية جلسة مجلس الوزراء التي تنعقد غداً في السراي الحكومي، تسارعت الاتصالات واللقاءات، في محاولة لإيجاد مخرج للملفات العالقة، ولا سيّما منها ملفّا سلسلة الرتب والرواتب ودفع المعاشات لموظفي القطاع العام.
وفي هذا السياق التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة أمس رئيس الحكومة تمام سلام، في لقاء دام ساعة وربع الساعة، تركّز البحث خلاله على الاوضاع والمستجدات الراهنة في لبنان والمنطقة، والملفات والقضايا المطروحة على صعيدي الحكومة والمجلس. ولم يُدلِ سلام بعد اللقاء بأيّ تصريح.
لكنّ برّي قال أمام زوّاره عندما سُئل مساء أمس عن لقائه وسلام: «أعمل بكلّ قواي لفصلِ الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية وتعطيل جلسات مجلس النواب عن اجتماعات الحكومة، لئلّا تتعطّل كلّ المؤسسات الدستورية، فعملُ الحكومة ومجلس الوزراء لا يقتصر في هذه الأيام على الخدمات وشؤون المواطنين، إنّما هناك وضع أمنيّ طارئ يتطلّب مزيداً من العناية لدى الحكومة، ولا يمكن بالتالي القبول بأيّ تعطيل للعمل الحكومي في هذا السياق».
وعن موضوعي سلسلة الرتب والرواتب وصرف معاشات الموظفين في القطاع العام، أصرَّ برّي على معالجتهما «تحت سقف القانون»، مؤكّداً أن «لا خيار سوى ذلك»، وقال: «هناك أفكار تُبحَث لمعالجة أزمة الرواتب، ولكن دائماً تحت سقف القانون».
وأكّد بري من جهة ثانية «أن لا جديد في موضوع الاستحقاق الرئاسي، في ضوء جلسة مجلس النوّاب المقررة اليوم لانتخاب رئيس جمهورية جديد، وسأوجّه دعوة الى جلسة هي العاشرة في خلال شهرين من الشغور الرئاسي، ويقولون لي أن أدعو إلى مزيد من الجلسات».
وزير المال
من جهته، أشار وزير المال علي حسن خليل إلى «أنّ هناك ملاءَةً ماليّة لدفع رواتب الموظفين، وأنّ لدى وزارة المال احتياطاً ماليّاً كبيراً، لكنّ المسألة هي في طريقة الصرف التي تحتاج الى قانون». وأوضحَ خليل «أنّ هذا الملف وُضع على جدول أعمال مجلس الوزراء لكي يتّخذ في شأنه الموقف المناسب».
مبادرة الحريري
في مجال آخر، من المقرر أن تواصِل كتلة «المستقبل» لقاءاتها ترجمةً لمبادرة الرئيس سعد الحريري. وقد وضع رئيسُها فؤاد السنيورة أعضاءَ الكتلة في أجواء اجتماعه الأخير مع الرئيس أمين الجميّل، وبحث معهم في آفاق انطلاق المشاورات مع قيادات 14 آذار في شأن المخارج الممكنة لتجاوز الشغور الرئاسي.
واعتبرت الكتلة في بيان لها أنّ «خريطة الطريق السياسية والوطنية» التي أعلنها الحريري «لإخراج البلاد من مأزق الشغور الرئاسي منطقية وواقعية ومتماسكة».
وقالت: «ليس المهم إطلاق الاقتراحات، إلّا أنّ الأهمّ هو التقدّم بأفكارٍ منطقيةٍ وعملية تُراعي الواقع اللبناني وتفتح طريقاً للخروج من الأزمة وتحفظ الميثاق الوطني وصيغة العيش المشترك وتصونها». وأكّدت «أنّ الهَمّ الأساسي للقوى السياسية يجب أن ينصبّ على انتخاب رئيس جمهورية جديد، كأولوية على بقيّة المواضيع المطروحة».
عون: المجلس أوّلاً
من جهته، اعتبر رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون أنّ طرح الحريري يُعبّر عن رأيه، وقال: «لسنا في مواجهة مع أحد، وأنا أقول: المجلس النيابي أوّلاً وليس الرئيس أوّلاً، وإصلاح القوانين هو همُّنا».
وقال «إنّ ثمّة مَن يتاجر بالفراغ في سدّة الرئاسة»، وسأل النوّاب: «أين الخَلل في الخروج عن اتفاق الطائف في انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب بلا تعديل الصلاحيات؟» ولفت إلى أنّ مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي يحفظ حقوق الجميع ويؤمّن العدالة ويحافظ على الوحدة الوطنية والعيش المشترك.
بوصعب
وعشيّة جلسة مجلس الوزراء التي سيُطرَح فيها ملف الجامعة اللبنانية بنداً أوّلاً على جدول الأعمال، أكّد وزير التربية الياس بوصعب لـ»الجمهورية» أنّ «هذا الملف لا يزال على حاله، وموقفنا في الجلسة سيكون هو هو، لن يتبدّل، فنحن لن نتخلّى عن هذا الملفّ ولن نعطّل، كما لم نفعل في الماضي، بل كان اعتراضنا على التوظيف في وزارة معيّنة في غياب التوظيف في وزارة التربية، ومن حقّ أيّ وزير أو أيّ فريق أن يعترض على أيّ بند داخلَ جدول الأعمال».
وعن الجواب الذي يقول حزب الكتائب إنّه ينتظره منه، قال بوصعب: «قرأت أنّ وزير العمل سجعان قزّي ينتظر جواب وزير التربية، فهو يطلّ علينا مرّة جديدة بتنظيراته، ويتأكّد لنا أن لا صلة بينه وبين قيادته الحزبية، لأنّني أنا من ينتظر الجواب من حزب الكتائب، وهذا ما أكّده لي مرّة ثانية اليوم (أمس) وزير الاقتصاد آلان حكيم حين طالب باستمهاله من 24 إلى 48 ساعة قبل إبلاغي الموقف النهائي للكتائب من قضيّة تعيينات العمَداء. ويتبيّن أنّ المكلّف بالملف هو الوزير حكيم وليس الوزير قزّي الذي تبيّنَ أنّه ليس مُطّلعاً على مجرياته ولا على قرارات حزبه».
ووصفَ بو صعب طرحَ رئيس جبهة «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بأنّه «منطقيّ»، وقال: «سندرسه لأنّه يمكن أن يساهم في حلّ موضوع العمَداء، في انتظار الردّ الكتائبي».
أبو فاعور
وكان وزير الصحة وائل أبو فاعور كشفَ أمس أنّه أبلغَ الى رئيس الحكومة تمام سلام ووزيرِ التربية قبولَ جنبلاط بالاقتراح الذي طُرح سابقاً لجهة إبقاء العميد بيار يارد في كلّية الطب، مقابل عدم تمثيل الطائفة الدرزيّة في مجلس الجامعة ولو على حساب كفايةٍ كبرى في الجامعة، هو الدكتور فهد نصر الذي تمّ انتقاؤه من ضمن آليّة الاختيار في الجامعة اللبنانيّة». وأملَ في «أن تساهم هذه التضحية في حلّ عقدة الجامعة اللبنانيّة لإطلاق عمل مجلس الوزراء».
موقف «الكتائب»
واستغربَت مصادر كتائبية حديث وزير التربية في مقابلات تلفزيونية وإعلامية مختلفة وعبر وسائل التواصل الإجتماعي عن خلافات كتائبية ـ كتائبية حول الموقف من ملف الجامعة اللبنانية، ومحاولته التفرقة بين موقفَي قزّي وحكيم منه. وأكّدت «أنّ هناك مكتباً سياسياً واحداً في الحزب يناقش هذا الملف، وقد سبق له أن حدّد موقفَه منه، وإنّ الوزراء الكتائبيين ملتزمون مضمونَ القرار إلى النهاية».
وقالت المصادر «إنّ طرح بو صعب الملفَّ من زوايا مصلحية وضيّقة وخاطئة زاد في الطين بلّة ووسَّع من نطاق الخلافات في مجلس الوزراء ليس مع الكتائب فحسب، إنّما مع وزراء آخرين ومنهم
وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن الذي استغرب رفضَ بوصعب تعيين عشرة أُجَراء في وزارة الصناعة وسبعة عمّال تنظيفات في وزارة العمل، ردّاً على قرار المجلس التريّث في مشروع التعيينات التي تقدّم بها لمجلس عمَداء كلّيات الجامعة اللبنانية، وها هو يشكّك بموقف الكتائب الموحّد من هذا الموضوع».
ودعَت بو صعب إلى «وقف هذه المهاترات، لأنّ موقف الكتائب واحد من كلّ ما هو مطروح على مجلس الوزراء، وأيّ محاولة لتغيير الواقع ستؤدّي به الى الهلاك وليس أقلّه تجميد البحث في ملف الجامعة الذي يتعاطى معه وكأنّه حقّ حصري له، ولا رأي لمجلس الوزراء مجتمعاً فيه».
وكشفَت المصادر لـ»الجمهورية « أنّ بياناً سيصدر اليوم عن الحزب يؤكّد «أنّ موقف الكتائب موحّد وواحد، وسيؤكّد أنّ مواقف قزي تنسجم مع القرارات الحزبية الصادرة عن المكتب السياسي ولا لبسَ فيها على الإطلاق، وأنّ أيّ محاولات عبثية لإظهار العكس لن يكون لها أيّ أهمّية».
بين «أمل» و«المستقبل»
وفي هذه الأجواء، قالت مصادر مُطّلعة إنّ مسعى ابو فاعور لإحياء اللقاءات بين وزير المال ونادر الحريري قد اصطدمَ بسقفِ المواقف المتناقضة لدى الطرفين، فتأجّل اللقاء الذي كان مقرّراً بينهما إلى موعد غير محدّد. وعلى الاثر اتّصل جنبلاط بالسنيورة وبحث معه في هذه التفاصيل ولم يحصل أيّ تفاهم على صيغة أو مخرج للحلّ.
وقالت المصادر إنّ ابو فاعور نقل أجواء التشنّج بين «أمل» و»المستقبل» إلى سلام الذي زار برّي عارضاً أن يتحمّل مجلس الوزراء مسؤولياته في ملف دفع الرواتب والأجور الذي أُدرج في جدول اعمال جلسة الغد، في انتظار توفير المخرج من خلال تأكيد صوابية دفع الرواتب مثل كلّ النفقات الملزمة للدولة تجاه موظفيها، بموجب قانون المحاسبة العمومية الذي يجيز لوزارة المال دفعها في غياب الموازنة.
نصرالله وجعجع
وسط هذا المشهد، تشخص الأنظار إلى الكلمة التي سيلقيها الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله في مهرجان «يوم القدس العالمي» في الخامسة عصر الجمعة المقبل.
وعلمَت «الجمهورية» أنّ نصر الله سيمرّ مروراً عابراً على الوضع الداخلي، فيما سيُفرد حيّزاً واسعاً من كلامه للتركيز على القضية الفلسطينية والتطوّرات المتسارعة في غزّة وما يرافقها من تحرّك دولي وعربي لوقفِ العدوان الاسرائيلي ضد ابنائها.
كذلك سيشدّد الأمين العام على اهمّية القضية الفلسطينية وأثرها التوحيدي لتجاوز ما يضرب المنطقة من انقسامات مذهبية حادّة. وسيؤكّد أيضاً على علاقة قوى المقاومة بعضها ببعض والحرص على استقرار العلاقات بين كافة قواها، خصوصاً في هذه المرحلة.
وفي السياق، برزَت دعوة إيرانية أمس بلسان رئيس منظمة تعبئة المستضعفين في الجمهورية الإسلامية الايرانية العميد محمد رضا نقدي، إلى ضرورة تشكيل حلف دفاعيّ بين قوى المقاومة الشعبية في فلسطين ولبنان وسوريا لمواجهة أيّ عدوان خارجيّ، خصوصاً عدوان إسرائيلي على أيّ من هذه الدول.
وأشارت مصادر مُطلعة على موقف «حزب الله» إلى أنّ أهمّية ما يجري في غزة وضرورة التعاطف مع أبناء الشعب الفلسطيني دفعَ بالحزب الى تجاوز كلّ المحاذير الأمنية في البلاد».
جعجع
ولوحظ أنّ كلمة السيّد نصر الله ستتزامن في توقيتها وموعدها مع الكلمة التي سيلقيها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في الذكرى التاسعة لخروجه من السجن خلال تدشين حزب «القوات» مجسّم الزنزانة في احتفالٍ بعنوان: «زنزانة الحكيم، ذاكرة الحرّية!» وذلك في المقر العام للحزب في معراب.
وسيتحدّث جعجع أمام شخصيات سياسية وديبلوماسية ودينية واجتماعية وإعلامية وثقافية عن التطوّرات المحلية والإقليمية. كما سيتحدّث في المناسبة عددٌ من سياسيّي قوى 14 آذار وتيار «المستقبل» والمجتمع المدني، إضافةً الى قراءات عن الحقبة الماضية يتبعها عرضُ فيلم وثائقي.