IMLebanon

«جماعة الولي الفقيه» والشرق الأوسط الجديد

أبرز انعكاسات الربيع العربي على جماعة «الإخوان المسلمين» تمثل في انكشاف دورها فيما يسمى «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، وفوضاه الخلاقة، ذلك المشروع الذي بشرت به الولايات المتحدة، وأطلقت عليه وصف «الربيع العربي»، فكان وبالا على جماعة المرشد العام، إذ حلت إثر تبعاته، وحظرت، ومنعت، وطُوردت قياداتها في كثير من الدول العربية، أبرزها مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.

ومقابل ما سلط من أضواء إعلامية على دور هذه الجماعة في هذا المشروع الأميركي، ظلت الأضواء باهتة لم تسلط بعد على دور النسخة الشيعية من تلك الجماعة، أي «جماعة المرشد الأعلى» أو «جماعة الولي الفقيه»، وهي التي لعبت دورا لا يقل أهمية عن دور جماعة الإخوان المسلمين، فقد تصدّت (وباستخدام القوة) للثورة في سوريا، ودعمت وبالقوة «الثورة» في البحرين، في تناقض يفتح باب الأسئلة المشروعة، ومع ذلك أغفل الباحثون النظر إلى هذا الحراك التنظيمي لتلك الجماعة، وحكم على ذلك الحراك بأنه «طائفي» شيعي سني.

علينا قبل أن نسترسل أن نفرق هنا بين الجماعات الشيعية و«جماعة الولي الفقيه»؛ فكما أنه ليس كل سني «إخوانياً» كذلك ليس كل شيعي «ولائياً»، إن صح التعبير، وكثير من شيعة العرب لا يؤمنون بنظرية الولاية ولا يقلدون فقهاءها، ولا يجوز التعميم هنا، بل إن أكثر المضطهدين من «جماعة الولي الفقيه» هم من الشيعة المخالفين لها، سواء كان هؤلاء المخالفون إيرانيين، معقل الجماعة الولائية، أو كانوا عربا.

نجحت إيران في نشر عقيدة «الولي الفقيه»، سواء كان الفقيه ممثلا في مجلس فقهاء، كما يصر عليه التيار الشيرازي، أم ممثلا في فقيه أوحد، كما يصر عليه تيار الإمام، فإن النظرية لقيت رواجا كبيرا في أوساط الجماعات الشيعية العربية، واستجاب لها عدد من شبابها، وخلفت وراءها انقساما في الطائفة الشيعية بين أصوليين، كثير منهم يؤمنون بنظرية ولاية الفقيه، وإخباريين يرفضونها.

وتتموضع جماعة الولي الفقيه في عدة دول عربية مقتربة من كرسي الحكم تارة، وساعية له تارة أخرى؛ فهي في لبنان والعراق سلطة حاكمة، وفي سوريا سلطة داعمة للعلويين ومتحالفة معها، أما في البحرين فلهم مؤسساتهم الدينية، ولهم حزبهم السياسي المرخص، ولهم مقاعدهم في المجلس النيابي المنتخب، وكان منهم النائب الأول لرئيس مجلس النواب، ولهم مؤسساتهم الدعوية ومؤسساتهم للنفع العام، ورغم الخلاف بينهم وبين أتباع التيار الشيرازي، نسبة إلى محمد وهادي الشيرازي، في القول بولاية مجلس للعلماء أو ولاية ولي فقيه، فإن التيارين يتفقان في الرؤى السياسية والأهداف، ومرجعية الاثنين غير بحرينية، بل إيرانية على وجه التحديد، وهما من وقف خلف أحداث فبراير (شباط) 2011، التي سعت إلى الانقلاب على الدستور في البحرين، والوصول إلى سدة الحكم، تحت مظلة الربيع العربي، وما تلاها من أعمال عنف وإرهاب وتفجير وقتل لرجال الأمن وترويع الآمنين حتى يومنا هذا.

أما في الكويت فيتزايد عدد مؤيدي هذه الجماعة وأتباعهم من مؤثرين في القرار الكويتي بشكل ملحوظ، وفي اليمن ينشط الحوثيون منهم جنوبا، كما هو معلوم، وأخيرا من الملاحظ أن نشاط الشيرازيين منهم بارز جدا في منطقة «العوامية» في المملكة العربية السعودية، بزعامة نمر النمر التي شهدت أعمال عنف وإرهابا.

كما نرى، فإن جماعة المرشد الأعلى الشيعية جماعة عابرة للحدود السياسية، تخطى حراكها الجمعي التوافق الفكري، ووصل لقيام جماعة ذات قيادة موحدة، تتشكل منها أجنحة عسكرية وجماعات مسلحة تهدد أمن المنطقة وتصطدم مع الدولة، كما هو في لبنان والبحرين واليمن والعراق والمملكة العربية السعودية، فيقبض على السعودي أو الكويتي منهم في أعمال إرهابية في البحرين، أو العكس، ولها أجنحة سياسية كجمعية الوفاق في البحرين، أكبر حزب سياسي قائم على عقدية مذهبية، أعضاؤه ينتمون لفكر عقدي واحد، وهو فكر ولاية الفقيه.

وهكذا لو وضعنا خريطة الدول العربية وحددنا المناطق التي تنشط فيها تلك الجماعة لوجدناها تشكل جدارا وسورا محيطا بالمملكة العربية السعودية من جميع أطرافها.

وخطورتها على منطقة الخليج لا تتمثل في تنظيم نفسها من خلال شبكات نشطة داخل منطقة دول مجلس التعاون فحسب، بل خطرها الأكبر يكمن في نشاطها الدولي الموحد، الذي وجد الدعم في المنظمات العابرة للحدود والمنظمات الأميركية الداعمة للديمقراطيات ولحقوق الإنسان، وتلك أدوات أصبحت معروفة لتنفيذ المشروع، حيث عملت هذه الشبكات المكونة من عراقيين ولبنانيين وكويتيين في مساندة ودعم وتمويل «الجماعة البحرينية» بشكل كبير، في حراكها الدولي المناهض للمملكة البحرين، فلا تجد اجتماعا أو ندوة أو جلسة في إحدى المنظمات أو اللجان الدولية، إلا وهؤلاء العرب جنبا إلى جنب الفرع البحريني يقدمون له الدعم المالي واللوجستي، فتجد أحمد الجلبي العراقي أو انتفاض قنبر مدير أعماله جنبا إلى جنب مع محمود حيدر الكويتي، ونبيل رجب البحريني في كل لقاءاتهم، أما العاصمة البريطانية فهي معقلهم ونقطة ارتكاز أوروبي لحراكهم.

ويمتد هذا التنسيق إلى الولايات المتحدة، حيث نشطت تلك الجماعة بتأسيس منظمات حقوقية داعمة لقضيتهم، وتمكنت من نيل اعتراف الأمم المتحدة أخيرا بمنظمة تطلق على نفسها «الجمعية الأميركية لحقوق الإنسان في البحرين»، ويرأسها بحريني منهم حصل على الجنسية الأميركية، ويعمل موظفا في الكونغرس الأميركي، وهو مفتاحها لدخول هذه اللجان وبيوت صنع القرار هناك، يساعده اللوبي الإيراني الأميركي بشكل كبير من خلال شركات علاقات عامة تجسر العلاقة بينهما، كشركة «Fenton» المتعاونة مع الاثنين.

أما الخطورة الثانية لهذه الجماعة، فهي الكامنة في تقاطع المشروع الإيراني في المنطقة مع المشروع الأميركي فيها، لتصبح جماعة الولي الفقيه أخطر ألف مرة من جماعة المرشد العام بنسخته السنية، فهي حصان طروادة الذي يحقق للاثنين (أميركا وإيران) أهدافهما معا، وحين تصبح «الثورات العربية» المطية لمشروع إسقاط الأنظمة في المنطقة، فإن أول من امتطاها هم جماعة الولي الفقيه الجماعة في دول المشرق العربي.

نحن لسنا إذن أمام ميليشيات إرهابية نعالجها معالجة أمنية وتنتهي خطورتها، نحن أمام شبكة تمتد خيوطها على امتداد الوطن العربي، ولها نقاط ارتكاز دولية، وتلتقي مصالحها مع مصالح إقليمية ودولية، ولها قيادة موحدة في إيران.

نحن أمام جماعة تفوق في درجة تنسيقها وتمويلها جماعة الإخوان المسلمين، فجماعة الولي الفقيه تقف وراءهم إيران بصندوق ومحفظة مالية تصل إلى مليارات الدولارات، وتقف معهم دوائر أميركية كثيرة متحمسة للتعاون معها، لهذا لا بد أن يكون التعاطي معها مقدرا لحجم خطورتها وامتدادها وأثرها المحتمل على المنطقة ككل.