لكأنَّ ديوانُ الشَّاعرِ الرّاحلِ أنسي الحاج «الرأسُ المقطوع» ـ إصدار العام 1963 ـ نبوءةٌ دهمتنا، أو لكأنَّه استبصرَ في بداياته نهاياتِ هذا «الوطنِ الحزين» وهذا «الشَّرق والعالم على حدِّ السّكين»: «إرهابنا تحقِّق ضدنا/الذين هم يجب أن يُقْتلوا، سرقوا منا المفتاح وقَتَلوا/ وبعدما زيّفوا الخَلْق ها قد زيّفوا القتل/ كبتْنا عُنفنا وسكرنا كالرّوس البيض/ ولم نعد نملك سوى أملٍ متلاشٍ بأن يسعفنا/ إذا أمكن/ رَجْعُ صدىً لحِقْدٍ ما» لكأنّه كتبَهُ بالأمس!!
منذُ قرّروا ـ وهم معروفون «ما غَيْرن» ـ قطع رأسِ الجمهورية، وترْكِها بلا رئاسةٍ ولا رئيسٍ ولا رأسٍ، بل منذُ قرّروا الذّهاب إلى سوريا لحمايةِ النظام ـ وهم معروفون «ما غَيْرن ـ بل حمايةِ رأسِ النّظامِ فيها، كان واضحاً وضوح الشمس أنّهم يستدرجون «قطع الرؤوس» إلى لبنان، ذهبوا فجلبوا لنا «همجٌ» مدمنو مخدراتٍ وقتلٍ وذبحٍ، مرتزقةٌ ـ يَقبَضون ثمنَ «هِجْرةٍ» 600$ـ عاطلون من الإنسانية والعمل، يسخرون من الله فيذبحون خَلْقَه، ويسخرون من الإسلام فينتظرُ المسلمون طويلاً ومعهم بطاركة الشرق ومسيحيّوه، أن تصدرُ فتوى ما، من جهةٍ ما، علّها تحمي الرؤوس من التهجير والطرد والتهديد، ويطول الانتظار حتى الأمس!!
وبالأمس صدرتْ عن مفتي السعوديّة فتوىً تعلنُ أنّ: «على المسلمين قتالُ داعش»، نَعم، قتال «داعش فرضُ عيْن» إنّما على جيوش أوطاننا، فالمسلمون مواطنون في دولٍ لها جيوشها وقواها الأمنيّة وهي المسؤولة عن حمايتهم، وإلا فإنّ «الفتوى» ليست أكثر من «كلامٍ عامٍّ ولكن خطير جدّاً» يُشبه إلى حدٍّ بعيد فتاوى الجهاد في أفغانستان ضدّ الكفر والإلحاد السوفياتي، الذي أورثنا إرهاب أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، وسيفتحُ «الكلام العامّ والغامض» باب فلتانٍ و»إرهابٍ ضدّ الإرهاب»!!
ثمّ ـ على راسنا قتالُ داعش ـ إنّما كيف؟ ألم يكن أجدى بدلاً من أن ننتظر شراء سلاح بمليارِ دولار، لو أرسل السّلاح فوراً لجيشنا ودعمه بالعتاد عبر جسرٍ جويٍّ عاجل، متى نسمعُ فتوىً تحمي مسيحيّي الموصل وتعيدهم إلى ديارهم، ألم يخرج نداء «حوار الأديان» من المملكة العربيّة السعوديّة؟ ألم يخرج مشروع «مكافحة الإرهاب» من المملكة العربيّة السعوديّة؟ فلماذا ما زلنا بانتظار فتوىً تُحرّم قتل مسيحيي المنطقة أو إخراجهم من ديارهم بغير حقّ؟!
أمّا «الطامّةُ الكبرى فجاءَتْنا من عند الإمامِ الأكبرِ شيخِ الأزهرِ الشّريفِ، الدكتور أحمد الطيّب، الذي وصف هؤلاء الهمجيّين الداعشيّين بأنّهم: «مجرمون يصدّرون صورة شوهاء عن الإسلام»!!!! أين الإسلامُ من داعشِ كلّها؟ وهل في داعش شيءٌ من الإسلامِ حتى يخطئ العالم الأزهري الكبير فيعتبرهم صورة شوهاء عن الإسلام؟!
تكمنُ مشكلةُ المسلمينَ الحقيقيّة في «الفقهاء» المتخاذلين عن حمايةِ المسلمين بتوعيتهم، وبالإعلان ملء الفم والصوت والعقل بأن «الإرهاب» كفرٌ صريحٌ، وأنّ هؤلاء الإرهابيّين الهمجِ ليسوا بمسلمين، أما الحديثُ عن «فئةٍ ضالةٍ» أو «باغية»، فهذا أمر إلهيٌّ قرآني يفصلُ في اختلاف فئتيْن مسلمتيْن، أما إزهاقُ الأرواح وقطع الرؤوس فهذا كفرٌ بحت، يُخرجُ من الدّين والمِلّةِ ومن الإنسانيّة أيضاً…
في جمهوريّة الرأس المقطوع، يقتضي المشهدُ اللبناني الإسراعَ في انتخاب رأسٍ للجمهورية ليتحرّكَ في كلِّ اتجاهاتِ العالم مع رئيس حكومته والوزراء المختصّينَ لمحاربةِ «داعشَ» وقتالَها تحت غطاءٍ ودعمٍ وعونٍ دوليّ وعربيّ، الكلام وحده لم يعدْ كافياً، ولا ترفُ اقتراحاتِ «المسترأس» الأبديّ، ولا نزقُ «فلتاتِ» النائب «القلاّب» مع كلّ هبّة ريحٍ، وآخر «قلباته» دعوتُه بالأمس إلى إدخال «إيران وتركيا» إلى الجامعة العربيّة!!!
لبنان على حافة انهيارٍ كبير، فمشهدُ «الذَّبْحِ» هذا لجنود الجيش اللبناني إن تفشّى في المشهد سيؤدي إلى «كارثة وطنيّة كبرى»، وهو قنبلة إنسانيّة على وشك الانفجار في وجهِ الحكومة والمؤسسة العسكريّة، اللبنانيّون جميعاً يتحسّسون رقابهم، الإرهاب لم يعد أمراً اعتادوه كسياراتٍ مفخّخةٍ وانفجاراتٍ متنقّلة، «جزُّ الرؤوس» مشهدٌ غيرُ معتادٍ في العقل اللبناني، ولا مشهدُ الأمهاتِ اللواتي يشاهدنْ أبناءهن يُذبحون أمام أعينهن.
ووسط هذه الدّماء الأبيّة التي تغرق وجه لبنان، هو أمرٌ مخزٍ ومخجلٌ ما حدثَ بالأمس مع خروج قطّاعِ الطرقِ ولصوص السيّارات وتُجاّر المخدرات ـ وهم معروفون «ما غيرن» ليزيدوا المشهدَ فتنةً وتأزّماً بخطفِ «فديةٍ ـ فتنة» تشعلُ قرى البقاع «السُنيّ ـ الشيعيّ» على بعضها لذبْحِ البلدِ عن بكرة أبيه، ما حدثَ بالأمسِ عارٌ لن يكون بمقدورِ من فعلوه محوَهُ وإنْ رُفِع عنهم الغطاءُ السياسيّ!!