يبدو أنَّ معظم السياسيين في لبنان قرَّروا أن يلعنوا الظلام بدلاً من أن يضيئوا شمعةً، وها هُم يُمعنون في سياسة النق، فيُحدِثون جلبةً وضجةً من دون أن يُحقِّقوا أيَّ نتيجةٍ عملية.
هذه السياسة ستؤدي، وللأسف، إلى تعميم الخراب على كلِّ المستويات، ولا ينفع في هذه الحال البكاء لاحقاً على الأطلال، فما من أطلال يجري ترميمها بل تذهب مباشرةً إلى دائرة المتاحف، فهل قرَّر السياسيون أن يحوِّلوا الجمهورية كلها إلى متحفٍ كبير؟
أيُّ ملف تقع الأنظار عليه ينطبق عليه المثل القائل:
إسمَع تفرح جرِّب تحزن، ففي الوعود هناك أقوالٌ معسولة، أما عند التنفيذ فلا شيء يتحقَّق. واللائحة تطول ويكفي تعداد عيِّنةٍ منها حتى يتبيَّن للقارئ ولأيِّ مراقبٍ أنَّ الملفّات تتراكم بوتيرة تصاعدية، فيما المعالجات لا تتمُّ إلا على الطريقة السلحفاتية من حيث البطء المميت.
ومن الملفّات العالقة:
إنتخابات رئاسة الجمهورية، قانون الإنتخابات ثمّ الإنتخابات النيابية، الموازنة العامة للعام 2015، تعليق تصحيح الإمتحانات الرسمية والإستعاضة عن الشهادات بالإفادات، سلسلة الرتب والرواتب، العلاقة المتدهورة بين مؤسسة كهرباء لبنان والمياومين في المؤسسة، أزمة شحِّ المياه، أزمة الإنقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، أزمة إزدحام السير.
هذه الملفّات هي داخلية بحت، وإذا ما أُضيفت إليها الملفات العالقة التي لها بُعدٌ خارجيّ، نكون أمام معضلةٍ حقيقية عصيَّة على المعالجة. ومن هذه الملفات، ملفُّ النازحين السوريين الذين تجاوز عددهم المليون ونصف مليون نازح، والخطورة في هذا الملف أنَّ هؤلاء النازحين غير محصورين في مخيمات أو في منطقة معينة ليكون من السهل تنظيم أوضاعهم، بل إنَّهم متغلغلون في نسيج المجتمع اللبناني ومنهم غير مسجَّلين.
إنطلاقاً من هذا الواقع، فإنَّ هذا الملف يُشكِّل قنبلةً موقوتة لا يُعرَف متى تنفجر، والخشية كلُّ الخشية أنَّ انفجارها سيؤدي إلى مضاعفات كبيرة، لا قدرة للبنان على تحمُّل تبعاتها.
ثم هناك ملفٌّ عالقٌ مستجد، هو ملفُّ العسكريين المخطوفين أثناء أحداث عرسال. هذا الملف في غاية الخطورة والأهمية، فمن جهة أولى وأساسية هناك سلامة العسكريين وحياتهم والتي تأتي في الطليعة وقبل أيِّ شيء، ثم تأتي مسألة المفاوضات التي هي سرية، لكنَّ شيئاً واحداً مؤكداً وهو أنَّ التسويات وكذلك الصفقات غير مطروحة.
ثم هناك ملفُّ الجنوب الذي يحاول البعض العبث به من خلال إستخدامه كمنصة لإطلاق الصواريخ، هذا الأمر من شأنه أن يزيد من التوتر من دون أن يُحقِّق أيَّ شيءٍ إيجابيّ للبنان.
في خضم كلِّ هذه الملفات العالقة، ليس هناك من ملفٍّ إيجابيّ، فهل يُعقَل أن نعيش على هذا المنوال وأن تبقى هواتفنا تلاحقنا بالأخبار العاجلة السيئة وبالرسائل النصية الأكثر سوءاً، من الجنوب إلى الشمال ومن الأوزاعي إلى عرسال؟
والطامة الكبرى انَّ هذه الرسائل لا تلاحق المقيمين فقط بل المغتربين أيضاً، فبفضل التقنيات الحديثة والإنترنت، صارت هذه الأخبار العاجلة والرسائل النصية القصيرة تلاحقهم أيضاً.
هكذا يتعادل المقيم والمغترب لجهة اليأس من البلد، فيفكِّر المقيم في الهجرة فيما المغترب يستبعد العودة في القريب العاجل.