IMLebanon

جمهورية تبحث عن هجرة

ويستمرُّ البلد في المعمعة ذاتها والدوامة ذاتها:

جلسة حادية عشرة لمجلس النواب لإنتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، لكن لا النصاب اكتمل ولا الجلسة انعقدت ولا الرئيس انتُخِب، وكان حال الجلسة كحال الجلسات العشر التي سبقتها والتي بدأت في الثالث والعشرين من نيسان الماضي لتستمرَّ حتى يوم أمس.

إذاً إنقضت المئة يوم الأولى على الشغور في سدة الرئاسة، فهل البلد على أعتاب المئة يوم الثانية؟

لا أحد يعرف ماذا سيجري يوم غد، فكيف يمكن أن يعرف ماذا سيحدث بعد مئة يوم التي تصادف في آخر شهر من السنة، أي شهر الأعياد، فهل نبقى في شغورٍ وفراغ حتى ذلك التاريخ؟

محطةٌ واحدة قد تكون واعدة، هي محطة الأحد المقبل، إذ إنَّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ستكون له إطلالة من عاصمة القرار واشنطن، من خلال ترؤسه مؤتمراً مسيحياً سبق أن فصَّلنا كلَّ شيء يتعلَّق به في هذه الزاوية، وما يوازي هذا المؤتمر هو توقُّع لقاء مع الرئيس الأميركي باراك أوباما بالإضافة إلى مواعيد أخرى مع مسؤولين أميركيين.

عدا هذا البصيص، لا أمل يُرتجى من كلِّ المحطات والمواعيد، سواء كانت مؤكَّدة أو غير مؤكَّدة، وسواء أكانت داخلية أم خارجية، فالإنشغالات في مكان آخر، وهي إنشغالات تتعلَّق بملفاتٍ خطيرة واستحقاقات داهمة، إذا لم يتم تداركها فإنَّها يمكن أن تؤدّي إلى ما لا يُحمَد عقباه.

إذاً، نحن في جمهورية الإحباط، ومن دلائله:

أربعة ملايين لبناني مقيم يشعرون بأنَّهم يعيشون على بقعة جغرافية تُسمَّى دولة، لكن لا شيء يسير في هذه الدولة، فأمورها كلها معطَّلة، وأخطبوط الفراغ يتمدَّد فيها ويلفُّ أذرعه حول عنقها. أمّا الأمور التي تسير، الفضل فيها لا يعود إلى ما هو رسمي، بل إلى القطاع الخاص الذي يناضل ويكافح ويشعر بأنَّه يمشي في مكانه، وكلُّ ذلك لأنَّ الدولة لا تلاقيه من الجهة الأخرى أو على الأقل في منتصف الطريق، ولا حيلة له سوى البقاء إذ لا يمكن أن يكون الخيار الوحيد المتوافر هو الهجرة.

بين الصمود والهجرة يبدو أنَّ الخيار الأول هو الواقعي، فهذا الوطن الذي يحتضن تاريخ الآباء والعائلات والذكريات، لا يمكن وضعه في حقيبة سفر والتنقُّل به في عواصم العالم، إلى حين الإستقرار في واحدةٍ منها، فهل هذا هو الحل؟

صحيحٌ أنَّ المغتربين قد أدّوا، وما يزالون، أدواراً طليعية في إبقاء البلد على قيد الحياة، وصحيحٌ أنَّه لولاهم لَما استمر البلد، ولكن إلى متى سيبقى هذا الأمر قائماً؟

إنَّ القاعدة تقول إنَّ المقيم هو الأساس والمغترب هو السند، لكن حين يُصبح المغترب هو حجر الزاوية فعندها نكون قد أصبحنا في جمهورية الوطن المغترب، أما لماذا ينجحون في الخارج فيما النجاح غير متوافر في لبنان، فلأن الظروف والحوافز والبنى التشجيعية متوافرة بمقدار توافر البنى التحتية.

في الأوضاع التي نحن فيها فإنَّ الكفة تُرجِّح أن يزداد عدد المهاجرين في مقابل تراجع عدد العائدين، وبعد أعوامٍ قليلة هل باستطاعة أحد، أن يرسم خارطة التوازنات في البلد، في ظلِّ هجرة اللبنانيين وازدياد أعداد النازحين السوريين وبقاء اللاجئين الفلسطينيين؟

يُخشى أن نفتِّش يوماً عن البلد فلا نجده إلا في كتب التاريخ.