IMLebanon

جمهورية عتمة اللاءات المتعددة  والنَّعم الواحدة

لم يكن ينقص الإثنين الأسود في 8 أيلول سوى وجود شريف الأخوي وراء مذياع الإذاعة اللبنانية، ليُرشِد المواطنين العابرين على الطرقات إلى تلك السالكة منها ويبعدهم عن تلك المقطوعة بسبب أعمال الخطف على الهوية!

هكذا، وبثوانٍ معدودة، عاد البلد أربعين عاماً إلى الوراء، من خطفٍ متبادل على الهوية إلى إقفال الطرقات بالسواتر الترابية إلى حاجة كلِّ مواطنٍ إلى خارطة طريق، ليستطيع العبور من منزله إلى مكان عمله، وبالعكس!

ويسأل المواطن، والألم يعتصر قلبه:

هل كانت حربُ الخمسة عشر عاماً، ثمَّ مرحلة إتفاق الطائف وما تلاها، وسقوط مئة وخمسين ألف قتيل من ضحايا تلك الحرب، حتى نعود أربعين عاماً إلى الوراء وكأنَّ شيئاً لم يكن؟

ألم نتعلَّم؟

ألم نتعظ؟

ألم تشبع هذه الأرض دماء؟

***

يومُ الإثنين الأسود كادت الأمور أن تفلت من ضوابطها ليتحوَّل البلد، ولا سيَّما البقاع، إلى جمهورية حاجز وحواجز مضادة، حين كانت تحصل هذه الأمور منذ أربعين عاماً، كان هناك ما هو مخطط له من ضربٍ للبنانيين بالفلسطينيين، في ما كان يسمّى المؤامرة.

اليوم هناك ما هو أخطر:

ضرب اللبنانيين باللبنانيين، وضرب اللبنانيين بالنازحين السوريين، ما يعني أنَّ المؤامرة مزدوجة، كنا منذ أربعين عاماً بمؤامرة واحدة أدَّت إلى خراب البلد، اليوم نحن أمام مؤامرة مزدوجة، وعليه فإنَّ الخراب سيكون مضاعفاً.

***

أكثر من ذلك، حين اندلعت الحرب الأولى كان هناك خيرٌ وبركة في لبنان ناجمان عن العصر الذهبي الذي عاشه البلد بين أوائل الستينات وأوائل السبعينات:

كان الدولار الأميركي أكثر من ليرتين بقليل، وكانت الكهرباء تُعطى للبنانيين أربعاً وعشرين ساعة على أربعٍ وعشرين، لم يكن اللبنانيون يعرفون مصطلح تقنين ولا برامج التغذية بالتيار الكهربائي، لم يكن هناك مولِّدات خاصة في الأحياء. لم تكن المياه تنقطع، ولم يكن هناك صهاريج مياه توزَّع على المواطنين بأسعار الذهب. كان هناك خيرٌ وبركة في البلد، على رغم الغيوم الداكنة للحرب التي كانت تتجمَّع في السماء اللبنانية.

اليوم، الأمور مختلفة جداً. تتجمَّع غيوم الحرب في سماء لبنان فيما البلد يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة:

الدولار الأميركي ليس بليرتين بل بألفٍ وخمسمئة ليرة، بعنايةٍ مباشرةٍ من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

المياه مقطوعة في غياب الآبار والسدود، وموجودة بحضور الصهاريج فقط.

الكهرباء فيها من التقنين أكثر مما فيها من التيار، وفيها من التعتيم أكثر مما فيها من الطاقة.

السلامة العامة والنظافة مفقودتان في أكثر من قطاع ولا سيَّما قطاع التغذية، وأحدث الفضائح في هذا المجال ما كشفته محطة الجديد في أحد فروع سوبر ماركت تي إس سي في منطقة الجناح.

إذاً، نحن نعيش في جمهورية اللاءات المتعددة:

لا أمن، لا أمان، لا إستقرار، لا مياه، لا كهرباء، لا نظافة عامة. وفي مقابل كلِّ هذه اللاءات، هناك نعم واحدة نعم الحرب آتية!!

***

أكثر من ذلك، هناك وزراء مستقيلون من أدوارهم حتّى ولو لم يستقيلوا رسمياً. يُطلُّ علينا مثلاً وزير الطاقة أرتور نظاريان بعد صمتٍ طويل ليُبشِّرنا بالتعتيم، بسبب إحتلال المياومين لمؤسسة كهرباء لبنان، وكأنَّه بذلك يطلب من المواطنين أن يحرِّروا له المؤسسة لتوفير التيار.

ينسى معالي الوزير أو يتناسى أنَّ التيار مفقودٌ حتّى قبل إحتلال المؤسسة، فلماذا لم يعالج المشكلة قبل الإحتلال؟

إنَّ التعتيم على العقول هو أشد إيلاماً من تعتيم التيار، فكفى تلاعباً بذكاء الناس حضرة المعالي.

***

البلد على شفير الإنهيار، فتنبّهوا قبل فوات الأوان!!