IMLebanon

جمهوريّة المملكة اللبنانيّة

كأن اللبنانيين لم يملّوا بعد المسرحية الفاجعة التي يتكرر عرضها في بلادهم، ليس بخيارهم، لأنها من النوع الرديء فضلا عن أن الممثلين هم بالقطع دون استثناء، طغمة من الغـَلـَظة. المشكلة في الحقيقة ليست في المسرحية السمجة وإنما هي في إهراق دماء المساكين في كل مرة، بين فصول العداوة وفصول المصالحة. نعم يحز في النفس ما وقع في بلدة عرسال. أشعر بالغثيان والألم ربما خوفا من سيل الدم الذي يتقدم من الشرق، من العراق ومن الجنوب من قطاع غزة.. كأنه الطوفان الذي سيبتلعنا. لم يـُبعث نوح بيننا ولا تبدو في الأفق سفينته!

إذن وصلت «داعش» إلى عرسال. نسأل ونبحث منذ ما يزيد عن الشهر من هي داعش التي استولت على مواقع الجيش العراقي، وعلى عتاده والتي أخرجت قطاعات الجيش العربي السوري من منطقة الجزيرة. وها هي تقارع الجيش اللبناني في عرسال. فتفرض عليه معركة دامية ثم تنسحب إلى الجرود المحيطة بعرسال ومعها رهائن، بموجب إتفاقية تم التوصل إليها!

يقول الخبراء في بلاد الغرب عندما تستطلعهم وسائل الإعلام، أن لدى داعش عشرين ألف مقاتل، نصفهم في العراق والنصف الآخر في سوريا. ما نعرفه عن العراق الذي غزاه الأميركيون وحلّوا جيشه فانحلّ، وجعلوه فيدراليات مذهبية وعرقية، يوحي بأن الأوضاع فيه معقدة. بالتالي فإن استيفاء البحث في موضوع العراق يحتاج إلى فصول لا يتسع هذا المجال لها. يبقى السؤال إذن مطروحا فيما يتعلق بالحالة السورية، كيف يستطيع عشرة آلاف مقاتل احتلال مواقع في سوريا والثبات فيها ؟!

فإما أن خبراء وسائل الإعلام في بلاد الغرب يكذبون، وأما أن هناك أسرارا كثيرة تلف ما يجري في سوريا. يقول أبو تمام :

أين الرواية بل أين النجوم وما صاغوه من زخرف فيها ومن كذب

أما بالعودة إلى فاجعة عرسال اللبنانية وما رافقها وما تبعها مباشرة حتى الآن. إذ من المحتمل أن تكون هذه الفاجعة كالعادة، فاتحة لتكرار فصل من فصول الحكاية اللبنانية المملة. ملاحظات لا بد منها :

ـ فرضت داعش على الأجهزة الأمنية اللبنانية معركة، هي التي حددت مكانها وزمانها. نتج عن ذلك إستشهاد عدد من ضباط وجنود الجيش واختطف آخرون. لم تحسم المعركة. بل توقفت على طريقة لا غالب ولا مغلوب، هذا ما أرادته الحكومة اللبنانية، التي طلبت وساطة وفد من رجال دين ،تربط بعضهم بداعش علاقة ودية. مثلما أن هناك علاقة مماثلة بين هذه الأخيرة وبعض أعضاء البرلمان اللبناني. تجدر الإشارة الى أن الوفد المذكور كان يضم علماء دين من لون مذهبي واحد. وهذا غريب في بلد كمثل لبنان حيث من المفروض أن تراعى المعايير المذهبية في الخلطات السياسية. بالإضافة إلى ذلك، تناقلت الأخبار ما مفاده أن عددا من سكان عرسال إنضموا إلى داعش أثناء هجومها على مواقع الجيش. مجمل القول أن ما جرى في عرسال هو إعتداء مسلح على قوى الجيش أدى إلى استشهاد عدد من عناصره. وأن المعتدين استطاعوا أن ينسحبوا إلى خارج البلدة، ومعهم بعض الجنود رهائن، دون أن يعترضهم أحد. إذن أستشهد من استشهد واختطف من اختطف. لا حساب ولا عقاب !

ـ الملاحظة الثانية تتعلق بخبر تناقلته بعض الصحف عن إتصال أجراه الملك السعودي برئيس الجمهورية السابق. حيث أبلغه أنه طلب من الحكومة الفرنسية الإسراع في تلبية حاجات الجيش من السلاح ! من المحتمل ألا يكون الملك على علم بأن ولاية الرئيس إنتهت. ولكن من المحتمل أيضا أن الرئيس السابق هو على علاقة وثيقة بالبلاط الملكي. أليس هو من ختم خطابه بـ «عاشت المملكة»؟!. ما أود قوله أن إتصال الملك بالرئيس السابق في مسألة مؤسساتية رسمية، لا يبدو لي أنه على نسق الأعراف التي تحكم العلاقات بين الدول.

ـ الملاحظة الثالثة وهي الأهم : هي حول عودة الشيخ سعد الحريري إلى لبنان. يبدو أن الأخيرازداد لحنا إذا تكلم لغة الضاد. فجعل المُجوقـَل مُجـَلوَقا، استنادا إلى ما نما وتناهى إلى العلم والسمع. توكل الرجل بمهمة كلفه بها الملك السعودي الذي حمله كما رشح مليار دولار أوصاه بأن ينفقها كما أعلن على تسليح الجيش. المثير للعجب إلى حد الذهول أن الرجل توجه إلى القصر الحكومي وشارك في إجتماع أمني !

لو أن الرجل شارك في الإجتماع الأمني بصفته الحزبية، لتوجبت دعوة ممثلي الأحزاب الأخرى. أما إذا كان سبب حضور الرئيس الحريري مجلسا وزاريا هو كونه زعيما مذهبيا وكون البلاد تجتاز مرحلة صعبة، فكان من المفروض أن توجه الدعوة إلى زعماء المذاهب الأخرى، علما أن في كل مذهب أكثر من شخص يدّعي الزعامة، والكفاءة وأحيانا النبوة ! ينبني عليه أن عقد مجلس أمني وزاري طارئ، فور وصول الحريري، فيه تجاوز للقانون وللشرعية فضلا عن اعتراف الحكومة اللبنانية ضمنيا، بأن الرجل ذو منزلة خاصة أو أنه يتميز عن غيره من سكان لبنان! والدليل الساطع على ذلك أنه توكل بالإشراف على تسليح الجيش وأنه مستأمن على ميزانية من أجل إتمام هذه المهمة، من خارج أي منصب وزاري أو إداري. عاشت الديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون!

ربما يكون مرد ذلك كله إلى أن الحريري مبعوث من قبل الملك السعودي. فلقد تولى هذا الأخير أمر تسليح الجيش من السلاح الفرنسي. لا ندري إذا كان تول أيضا رسم السباسات العسكرية!

مجمل القول أننا في لبنان حيال أوضاع يمكننا أن ننعتها بالضبابية. إفعل ما تشاء. جماعات مسلحة تعتدي على الجيش، ثم تدير ظهرها وتعود من حيث أتت. أفراد فوق القانون. أفراد يمارسون السلطة الفعلية دون أن يكون لديهم تكليف قانوني. كأن الملك السعودي نصب واليا من ولاته على بلاد الأرز.