IMLebanon

جنبلاط.. حراك في «أهرامات» الاعتدال

 

مع تنامي ظاهرة التيارات المتطرّفة التي تتلطّى خلف شعار الدين، وارتكابها ممارسات أبعد ما تكون عن سماحة الأديان السماوية، كل الأديان، ومفاهيمها واعتدالها، تبدو المخاطر المحدقة بلبنان جراء نمو هذا التطرّف أكثر تأثيراً عليه من غيره من دول المنطقة بسبب تنوّع المذاهب والطوائف فيه، والتي عوض أن تكون مصدر غنى ومنبعاً للحوار والتلاقي، تبدو أنها تشكّل الأرضية المناسبة لتسعير نار الفتنة والانقسام، ومن هنا تبرز الحركة المكثّفة التي يقوم بها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لتفادي احتمال «الانفجار» الذي أطل برأسه من باب عرسال، ولتعزيز مفهوم الاعتدال وخاصة «السنّي» الذي برأيه يجسّده الرئيس سعد الحريري.

وبحسب أوساط جنبلاطية، يخطئ من يعتقد أن جنبلاط «مهجوس» في مصير طائفته فحسب، وإن كان ذلك لا يضيره، بل إن الهمّ الوطني والشعور بالخطر الداهم الذي سيأكل في طريقه الأخضر واليابس ولن يوفّر مذهباً من المذاهب الـ18 «المتعايشة» في لبنان، هو هاجسه الأكبر، وهو يجول في جميع المناطق اللبنانية حاملاً عنوان الإستقرار الداخلي والسلم الاهلي، وتراه في جولاته الداخلية والخارجية يركّز على ضرورة التوعية على مخاطر الانجرار إلى الفتنة والتشديد على ضرورة العودة إلى لغة العقل والاعتدال الذي من دونه لا وجود للبنان.

وفي هذا الإطار، جاءت زيارته الأخيرة لمصر التي بدأت في استعادة دورها العربي والإقليمي بعد انكفائها عنه لأسباب مختلفة، وتسعى اليوم لأن تشكل عامل توازن في المنطقة العربية لا سيما أنها تتميّز بخطها الرسمي المعتدل، كما أنها في طليعة الدول التي عانت الإرهاب وذاقت مرارته ولا تزال تحاول دفعه عن أرضها والتصدّي له، وتستطيع بالتالي أن تشكّل رافعة لهذا النهج الذي أصبح العالم العربي بشكل عام، ولبنان بشكل خاص، في حاجة ماسة إلى إعادة تفعيله والتشديد على أن الارهاب لا يواجه بإرهاب مقابل.

وكشفت أوساط جنبلاطية لـ «المستقبل» أن جنبلاط شدّد خلال اللقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هذا العنوان وكان أكثر من واضح في التأكيد «على أهمية الاعتدال السنّي الذي يمثّله الرئيس سعد الحريري وضرورة قيادة هذا التيار لمواجهة العصبية والكراهية والتي تكشّفت من خلال ممارسة ما يسمّى دولة الاسلام في العراق والشام (داعش) وارتكاباتها المرفوضة من المسلمين والمسيحيين على السواء».

وتضيف الأوساط أن «الخطاب المتشنّج لبعض القيادات السياسية في لبنان، الاسلامية والمسيحية على السواء، لا يفيد بل له مفعول الزيت على النار، ولذا لا بدّ من التعقّل والاحتكام إلى لغة العقل والحوار هو مفتاحه، ولذا فإن جنبلاط لا يوفّر جهده في هذا السبيل داعياً إلى الانفتاح ومشدداَ على الحوار وهو لسان حاله منذ أن أيقن عدم جدوى الانقسام السياسي الحاد بين فريقين مختلفين على قضية لن يستطيع أي منهما أن يقدّم أو يؤخر في مسارها بأي شيء، وهي القضية السورية».

ولأن المخاطر كبيرة ووجودية بالمعنى الدقيق للكلمة بحسب هذه الأوساط، وبما أن «جنبلاط لا يستطيع إبتداع الحلول السياسية بمفرده، فالمطلوب واقعاً هو ترّفع القوى السياسية الأخرى وتعاونها لإجتياز هذه المرحلة المصيرية من تاريخ الشرق الأوسط برمته، وهذا الموضوع لم يغب عن اللقاء مع الرئيس السيسي، حيث يعوّل جنبلاط كثيراً على الدور المصري في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء اللبنانيين».

وتشير المصادر إلى أن «الفخ» الذي حاولت الجهات المتطرفة التي خطفت العسكريين اللبنانيين نصبه للبلد بعد إفراجها عن أربعة عسكريين وعنصر من قوى الأمن الداخلي من السنّة، واحتفاظها بعسكريين آخرين من المسيحيين والدروز والشيعة، لم ينجح في ثني الحكومة مجتمعة، واللبنانيين على مختلف مشاربهم عن الاستمرار في الوقوف صفاً واحداً خلف المؤسسة العسكرية الأم «التي لا تزال الضامن الوحيد لاستمرار لبنان بوحدته»، وهذا ما يجعل رئيس «اللقاء الديموقراطي» اكثر تفاؤلا لجهة صمود لبنان في وجه محاولة اختراق تكفيرية.

غير أن جنبلاط الذي يعتبر أن ما جرى في عرسال هو «بداية» وليس نهاية، يعوّل أيضاً وفق أوساطه على الدور الذي تقوم به المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في تعزيز الاعتدال الاسلامي والتأكيد عليه، كما على المكرمة الملكية التي تولى الرئيس الحريري الاشراف على توزيعها لتسليح الجيش والقوى الأمنية اللبنانية لمساعدتها في التصدي لموجة الارهاب العابرة للحدود والدول.

يبقى أن جنبلاط الذي يجول داخلياً وخارجياً من أجل تحصين البلد أمام الارهاب التكفيري، يعتبر أن المدخل لهذا التحصين يكون في اتفاق اللبنانيين على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية لما يمثّله هذا الموقع المسيحي الوحيد في العالم العربي من ضمانة لاستمرار عمل المؤسسات الدستورية وعدم الاقتراب من «حافة الخطر» النهائي الذي بدأ مع الشغور في الموقع الرئاسي والذي يهدد المؤسسة التشريعية وربما ينسحب لاحقاً على المؤسسة التنفيذية.

وتؤكد الأوساط أن الجولة التي بدأها جنبلاط على القيادات المسيحية وانطلقت من الرابية بزيارة النائب ميشال عون ومن ثم إلى بنشعي حيث «استعاد» علاقة سابقة مع رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، ستستكمل بزيارة الرئيس السابق أمين الجميل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، على أمل أن يتمكّن من خلالها من إقناع الجميع بضرورة وضع الخلافات والحساسيات «المارونية» الداخلية جنباً، والتطلّع إلى مستقبل لبنان الذي لا يبدو «مشجّعاً» إذا استمر الشغور وغابت لغة المنطق والعقل عن الخطابات السياسية «النارية» التي تفاقم من الوضع المتأزم ولا تساعد على حلحلته.