تدخّل قطري «رفيع المستوى» في ملف العسكريين.. وجعجع يطمئن المسيحيين «الدواعش زائلون»
بينما تترنّح الانتخابات الرئاسية على حبال التجاذب السياسي المحلي وسط تعمّد واضح وفاضح لاستمرار مسلسل التعطيل والتنكيل بأي مبادرة تلوح في أفق لبننة التسوية الرئاسية، ثمة في المقابل جهد عربي مواكب لقطار الاستحقاق الرئاسي يحرص على عدم خروجه عن جادته اللبنانية من خلال التشجيع والتحفيز على التوصّل إلى توافق لبناني بينيّ يتيح انتخاب رئيس للجمهورية. وفي هذا السياق لفت رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط إلى أنّ «القيادة المصرية متابعة بدقة للأوضاع العربية واللبنانية»، وقال في معرض حديثه لـ«المستقبل» عن نتائج زيارته القاهرة: «الرئيس عبد الفتاح السيسي حريص كل الحرص على أهمية أن يتفق اللبنانيون على إتمام الاستحقاق الرئاسي باعتبار أنّ انتخاب رئيس للجمهورية يشكل علامة استقرار» في البلد، مشيراً في الوقت عينه إلى أنّ السيسي «حريص كذلك على إجراء الانتخابات النيابية في لبنان وعلى الأمن اللبناني بوصفه جزءاً من الأمن القومي العربي».
وفي ملف العسكريين المخطوفين، جدد جنبلاط التذكير بموقفه الرافض لمبادلة العسكريين بسجناء في سجن رومية وقال: «لا للمقايضات نعم للمفاوضات، على أن يكون التفاوض عبر دول تماماً كما حصل إبان تكليف مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم (في ملفي مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا) بهذه المهمة وقد نجح فيها».
جنبلاط شدد من ناحية ثانية على «وجوب الإسراع في إصدار الأحكام القضائية التي تأخر صدورها من ملف الضنية إلى ملف مخيم نهر البارد»، لافتاً الانتباه إلى أنّ «تردد بعض القوى السياسية في هذه المسألة هو ما أوصلنا إلى المأزق الذي نحن فيه اليوم».
لجنة الأزمة
بدورها، تواصل الحكومة مساعيها لحلّ أزمة العسكريين المحتجزين وفق صيغة تؤمن الإفراج عنهم مع الحفاظ على هيبة الدولة، بينما برز خلال الساعات الأخيرة دخول قطري «رفيع المستوى» على خط الوساطة لإطلاق العسكريين وفق ما أكدت مصادر اللجنة الوزارية المكلفة متابعة الملف لـ«المستقبل»، ناقلةً أجواء «تفاؤل حكومي بالعمل الجدي الجاري على مستوى الدور القطري لحل هذه الأزمة»، في وقت ترددت أنباء ميدانية متزامنة أمس عن تواصل قطري مباشر مع خاطفي العسكريين عبر موفد سوري من الدوحة إلى جرود عرسال للوقوف عند مطالب خاطفي العسكريين من «جبهة النصرة» و«داعش» من دون أن ترشح أي معلومات تفيد بخرق ملموس حصل على هذا الصعيد.
وفي الغضون، يواصل خاطفو العسكريين اللعب على وتر الفتنة الأهلية وتجييش عواطف أهالي العسكريين عبر بث أشرطة مصوّرة تهدف إلى النكء عميقاً في الجراح المذهبية والطائفية ودفع الدولة اللبنانية إلى الرضوخ لشرط المقايضة بين العسكريين وعدد من سجناء رومية. ويبدو أن سياسة الإعلام الحربي التي ينتهجها الخاطفون تمكنت في مكان ما من إحداث شرخ موضعي بين بعض أهالي العسكريين من جهة والحكومة من جهة ثانية في ضوء رفض وفد من أهالي العسكريين الاجتماع مع رئيس الحكومة تمام سلام وأعضاء لجنة الأزمة الوزارية، غير أنّ ذلك لم يحل دون اجتماع اللجنة وسط «أجواء من الأسف أبداها المجتمعون لكون البعض نسي «داعش» والخاطفين وحوّل هجومه باتجاه الحكومة التي تبذل كل جهد ممكن لإطلاق سراح العسكريين وإعادتهم سالمين إلى أهلهم» وفق ما نقلت مصادر اللجنة لـ«المستقبل»، مع تأكيدها في الوقت عينه «تفهّم الحكومة لمشاعر أهالي العسكريين والألم الذي يتملكهم جراء اختطاف أبنائهم».
وكان الرئيس سلام قد شدد خلال ترؤسه اجتماع خلية الأزمة الوزارية في السرايا الحكومية أمس، بحضور كافة أعضائها ما عدا وزير المالية علي حسن خليل، على أنّ «أهمية موضوع العسكريين المخطوفين وحساسيته تحتمان تلاقي جميع المكونات الوطنية حول موقف واضح، بما لا يسمح بظهور أي تصدع داخلي قد يثير البلبلة أو الفتنة الداخلية التي هي الهدف الأول والأخير للخاطفين»، مؤكداً أنّ هذه القضية «هي الشغل الشاغل للحكومة ولا تتقدم عليها في الوقت الحاضر أي أولوية أخرى».
وإثر انتهاء اجتماع اللجنة، لفت وزير العدل أشرف ريفي إلى أهمية «توحيد الموقف الوطني حيال ملف العسكريين المخطوفين وحيال أمن البلد ككل»، وقال لـ«المستقبل»: يجب ألا يضيّع أي طرف البوصلة في هذا المجال فينجرف إلى أهداف جانبية تنسيه العدو الأساس أي الإرهاب وتنظيماته».
جعجع
واليوم يطلّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في ذكرى «شهداء المقاومة اللبنانية» وسط ترقب وطني ومسيحي لمضامين الكلمة التي سيلقيها في الذكرى. وعلمت «المستقبل» أنّ جعجع سيشدد خلال كلمته على أهمية معاني المناسبة هذا العام ربطاً بما يحصل في المنطقة باعتبار أنّه «لولا التضحيات التي بُذلت لكانت رياح الشرق غيّرت معالم التاريخ في لبنان».
وفي معرض تطرقه إلى تنظيم «داعش» الذي سيلفت الانتباه إلى كونه يشكل «ظاهرة مشبوهة خرجت إلى الضوء بسحر ساحر وقدرة أسد»، سيجدد جعجع التذكير بالثورة السورية، مؤكداً أنّ جرائم نظام الأسد الذي يقتل شعبه بالأسلحة الكيميائية ويدمّر أرضه لا تقل وحشيةً عن جرائم «داعش»، كما سيجري مقارنة بين ما يفعله هذا التنظيم في العلن وبين الذين اغتالوا قيادات قوى 14 آذار في الخفاء ليؤكد أنّ كلاهما يشكلان وجهين لعملة واحدة.
جعجع سيحذر في كلمته من أنّ «دواعش القفازات المخملية أشد فتكاً وخطراً من الداعشية الغبية»، وسينبّه على المستوى الرئاسي إلى أنّ «البعض يحاول قطع رأس الجمهورية وأخذ البلد رهينة للحصول على موقع»، كما سيعرب عن رفضه تعديل المادة 49 من الدستور بحجة الاتيان برئيس قوي لاعتباره أنّ «من يمنع وصول رئيس قوي للجمهورية ليس هذه المادة الدستورية بل الشخصانية القاتلة».
وإذ سيجدد المطالبة بتوسيع نطاق القرار الدولي 1701 ليشمل بتطبيقاته الحدود اللبنانية السورية، سيبدي جعجع رفضه القاطع لكل أشكال الأمن الذاتي والتسلّح خارج إطار الدولة لأنهما يشكلان محاولة لاستكمال ضرب المؤسسات وركائز الدولة بعد تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية وشلّ المجلس النيابي.
وسيختم جعجع كلمته بتوجيه رسالة تطمينية إلى المسيحيين تحثهم على عدم الخوف لأنّ «الدواعش زائلون»، مذكراً في هذا المجال «كم مرّ تاريخياً من «الدواعش» على لبنان غير أنّ المسيحيين بقوا راسخين في أرضهم ولم ولن يبيعوا شهداءهم وتاريخهم».