لم يأخذ النائب وليد جنبلاط من الرئيس سعد الحريري «لا حقّ ولا باطل» مثل ما يقال في العامية، ولم يُخرج اللقاء الباريسي العلاقة الثنائية من جمودها إلى حرارةٍ استثنائية تُعيد التحالفَ إلى ما كان عليه، على الأقلّ قبل أن تُطيح «وسَطيّة جنبلاط» بحكومة الحريري.
بدا الحريري في اللقاء جاهزاً للإجابة على أسئلة طرحَها جنبلاط في صلب قلقِه من انفتاح رئيس تيار «المستقبل» على رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون.
السؤال الأوّل الذي أتى على شكل طلب بوقف العلاقة مع عون، أجاب عنه الحريري بالرفض، سائلاً: «لماذا أقطع علاقتي به؟ أنا لديّ مرشّح اسمُه سمير جعجع، والحوار معه لا يتخطّى حلفائي. من يرفض عون فليقل ذلك صراحة، (إشارة إلى جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه برّي)، ولا يُحمّلني عبءَ المهمّات القذرة». في هذه النقطة بدا واضحاً أنّ الحريري يُصرّ على القيادة من المقعد الخلفي، تاركاً لحلفائه المسيحيّين تدبّر أمر ترشيح عون، وأنّه يلقي، خلافاً للسابق، مسؤولية رفض عون على جنبلاط وبرّي. يصف أكثر من مراقب سلوكَ الحريري مع حلفائه وخصومه، بأداء «حزب الله»: القيادة من الخَلف وعدم المبادرة وتحمُّل مسؤولية أيّ خيار مكلِف، ولو رتَّب ذلك انكفاءً ظرفيّاً خسائرُه معروفة، لكنّ مكاسبَه ملموسة، أوّلها تعطيل التعبئة العونية، وتهميش الدور الجنبلاطي، ودفع برّي إلى كشفِ قناع رفض انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
يعتبر الحريري أنّ رفض عون يأتي من الثنائي برّي وجنبلاط، ويرفض تحميله أكلافَ وضع الفيتو على عون، ويشكّ في تنسيق مشترك بين الاثنين لتظهير مرشّح آخر في اللحظة المناسبة، يرفضه جنبلاط علناً ليقبل به لاحقاً بعد نَيل الثمن، ويعمل له برّي سرّاً في انتظار أوان الكلام الجدّي.
في اللقاء الباريسي طلب جنبلاط من الحريري تبنّي ترشيح النائب هنري حلو، فأجابه: أعطِني موافقة «حزب الله» و»8 آذار» على ترشيحه، وحين تأتي هذه الموافقة الواضحة، أتكلّم مع حلفائي ونتَّخذ القرار المناسب كقوى «14 آذار».
وقبل ذلك لا موقف طالما إنّ حلو لم ينَل موافقة الطرف الآخر».
وقد ردّ الحريري على طرح ترشيح حلو بعرض آخر: ماذا لو اتّفقنا وإيّاك على مرشّح واحد لقوى «14 آذار» وكتلتِك النيابية يمكن أن ينال أكثر من 65 صوتاً؟ فرفض جنبلاط، والواضح أنّه لن يسير بأيّ مرشّح لا يرضى به «حزب الله»، وأنّه ليس في وراد فتح معركة رئاسية تُحرج حليفَه المستتر المعلن الرئيس برّي.
في الحسابات الانتخابية طمأنَ الحريري جنبلاط إلى متانة التحالف النيابي في الشوف. طمأنةٌ لم تنسحب على الانتخابات الرئاسية ولا على الحوار (المناورة) المستمر مع عون. عاد جنبلاط من باريس من دون أن يأخذ وعداً من الحريري بقطع التواصل مع عون، ومن دون أن يأخذ موقفاً من ترشيح حلو، ومن دون التشاور في ترشيح قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي تتقدَّم أسهمُه بفعل التطوّرات في لبنان والمنطقة.
الأرجح أنّ الحريري الذي قطفَ ثمار الحوار مع عون، مستمرّ في اعتماد سياسة الأبواب المفتوحة، لكي يُجبرَ خصومه على الخروج من اختبائهم خلف ترشيح عون. والحوار بالنسبة إليه لم يكن مكلِفاً، لا في علاقته بحلفائه ولا في مناوراته مع الخصوم. أمّا جنبلاط الذي أعلن اللاءات الثلاثة في وجه ثلاثة مرشّحين، فقد بات قريباً من تحديد موقفِه، حالما يطرأ تطوّر يؤدّي إلى طرح المرشّح الحقيقي الذي يمكن أن تستنسخه تجربة العام 2008 التي أدّت إلى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.