في الوقت الضائع، وفي انتظار نضوج التسويات الإقليمية والدولية التي تبدو بعيدةً، يطرح رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط أفكاراً، ويناور لتعبئة الفراغ السياسي المترجم بشغور قصر بعبدا.
لا يعرف أحدٌ ماذا يدورُ في بال جنبلاط، إلّا جنبلاط. فقد أطلق أخيراً موقفين منفصلين لكنهما مترابطان. دعا إلى تجميل إتفاق «الطائف» ومنح صلاحيات إضافيّة الى رئيس الجمهورية، ودافع بقوّة عن زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى الأراضي المقدّسة، داعياً الى عدم ترك البطريرك وحيداً.
من المنطقيّ أن يطالب جنبلاط بتعديل «الطائف» لإعطاء الدروز مزيداً من الحقوق في تركيبة النظام السياسي اللبناني، أو المطالبة بتطبيق البند القاضي بإنشاء مجلس شيوخ يكون من حصّة طائفته فيُصبح لهم رئاسة مثل المذاهب المؤثرة، لكن الجديد هو طرحه تجميل هذا الإتفاق لمصلحة الرئاسة الأولى ومِن خلفها المارونية السياسية التي شكّلت عقدة تاريخية له، علماً أنّ أحداً لم ينسَ بعد وصفه الموارنة بـ«الجنس العاطل».
قد يكون من غير الواقعي إعادة التركيز على الثنائية «المارونية – الدرزية» لإدارة الحكم، لأنّ التغيّرات التي شهدها لبنان بدّلت موازينَ القوى، علماً أنّ الديموغرافيا الدرزية لا تسمح لجنبلاط بلعبِ دورٍ أكبر من حجم طائفته. لكنه، ومِن خلفية تاريخية، أراد بدفاعه عن الراعي ردَّ الجميل للبطريركية المارونية التي وقفت الى جانب إمارة الجبل وأميرها الدرزي، وربما شعر جنبلاط بأنّ التسوية السنّية – الشيعية في المنطقة ستفرض رئيسَ الجمهورية، وسيُغيّب عنها الموارنة والدروز، فحاول إعطاءَ جرعة دعم للبطريرك لكي لا يغيّب رأيه عن ملفّ الرئاسة.
وعلى رغم كلّ التحوّلات، تبدي المختارة إطمئنانها الى البقاء «بيضة قبان» في المعادلة السياسية اللبنانية. ويؤكّد مصدر في «الإشتراكي» لـ«الجمهورية»، أنّ «التقارب الذي يتَّبعه جنبلاط مع الموارنة غيرُ مرتبط بمصالح سياسية آنية، إنما يهدف لإنهاء كلّ فتيل نزاعٍ ماروني – درزي قد يطرأ، حيث يتَّبع سياسةَ تعميم المصالحات في الجبل لطمأنة الموارنة وإعادة التوازن اليه، وتطويق أيّ إشكالات قد تحصل مستقبلاً، وسحق أيّ فتنة على غرار حرب 1841 و1860 وحرب الجبل الأخيرة».
لا يُبدي جنبلاط أيّ تخوّف من تحالف السنّة والشيعة على حساب الدروز والموارنة، ويقول المصدر إنّ «أيّ صفقة أو توافقٍ بينهما صعب جدّاً، فالنزاع السنّي- الشيعي في أوجّه، وتُغذّيه الدول الكبرى الراعية لهما، ولا مصلحة لها في إطفائه، وما نشهده حالياً لا يعدو كونه تبريداً للأجواء ليس أكثر، لذلك، يتوجّب على الموارنة والدروز الحفاظ على وجودهم بالانفتاح على المحيط والتفاعل مع قضايا المنطقة وليس الانعزال»، معتبراً أنّ «تناقص العدد إشكالية تطرق أبواب الطائفتين».
وعلى خط زيارة البطريرك الى الأراضي المقدسة، يؤكّد المصدر أنّ «الراعي يحقّ له زيارة رعيته أَينما وُجدت، وهناك قوانين كَنَسيّة تفرض عليه ذلك، وموقف جنبلاط المتفهّم والداعم لزيارة الراعي، جاء من منطلق أنّ جنبلاط دعا دروز فلسطين الى التمسّك بأرضهم وعدم الهجرة تحت حجّة إسرائيل، لأنّ هجرة العرب ستُحّقق أطماعَ اسرائيل، إضافة إلى العلاقة التي تربط دروزَ فلسطين ولبنان».
ويرى جنبلاط «أنّ رئيس الجمهورية تعرّى من الصلاحيات، فالوزير يملك صلاحياتٍ أكثر منه، ومن أجل استقرار النظام السياسي لا بدّ من التوقف عملياً والنظر الى الثغرات في نظامنا وتصحيحها».
في القرن الخامس عشر، أصرَّ وفدُ الموارنة الذي زار الفاتيكان على اصطحاب ممثلين عن الدروز معهم في دلالةٍ على وحدة المصير بينهما، وعلى الرغم من الحروب التي حصلت بينهما، إلاّ أنّ أيّ تقاتل أو سوء فهم بين أبناء البلد الواحد هو دمار للبلد، لكنّ التدخلات الخارجية تؤجّج النزاعات والفتن، وبما أنّ الخارج لا يريد التدخّل راهناً لإيجاد حلّ، على الزعماء اللبنانيين استغلال هذه الفترة لقراءة تاريخ التدخلات الاجنبية في إمارة وقائممقامية ومتصرفيّة جبل لبنان، وأن يستعجلوا الاتفاق على الرئيس وعدم انتظاره لأنه مُصدّر الفتن وليس الحلول.