سبق الجمهور «الجنبلاطي» النائب وليد جنبلاط إلى محور أعداء «داعش»، كما سبقه إلى «ثورة الأرز» قبل ثماني سنوات. من السويداء وجبل الشيخ إلى الشوف وعاليه ووادي التيم، صار عدوّ الدروز واضحاً: التكفير
يلاقي النائب وليد جنبلاط، في حراكه الأخير، جزءاً كبيراً من المزاج الدرزي الذي تكوّن خلال العامين الماضيين، ونقل إلى الجزء الآخر اقتناعه الجديد. لقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ودقّ ناقوس الخطر من «داعش»، أعاد تذكير الدروز اللبنانيين، وتحديداً في التيار الجنبلاطي، بما دأب أخصام الحزب التقدمي الاشتراكي في الجبل على قوله، وما سبقتهم إليه السويداء وجبل الشيخ وجرمانا.
لا شكّ في أن الموقف الجنبلاطي الحاد من نظام الرئيس السوري بشّار الأسد صمّ آذان الجنبلاطيين طوال العامين الأولين من عمر الأزمة السورية. كانت السيارات المفخخة تنفجر بعنفٍ في جرمانا ويسقط شهداء وجرحى، ويمرّ الأمر بصمتٍ في الشوف وعاليه. عانى أهالي السويداء كثيراً من «المسلحين المعتدلين» الذين راهن عليهم جنبلاط قبل أن تأتي «داعش»، وعاليه أَبَّنَت المنشقّ عن الجيش السوري خلدون زين الدين، بدل أن تحزن على أكثر من 1500 شهيد مدني وعسكري من أهالي جبل الدروز. كان هذا قبل عامين. أما وقد صار قطع الرؤوس من الموصل إلى عرسال كقطف القطن، فقد بات المزاج في مكانٍ آخر.
عملياً، تسود الدروز في لبنان حال من الترقب والحذر جرّاء الخوف العام الذي يجتاح الشرق، بعد طرد عصابات «داعش» للمسيحيين من الموصل وجرائم اجتثاث الأزيديين من الشمال العراقي. وتعزّز الحنق على التكفير التطورات التي تعصف بقرى جبل الشيخ، وأخبار الهجمات الدائمة لمسلحين من «جبهة النصرة» على قرى عرنة وحضر وقلعة جندل، واحتلال بلدة مغر المير قبل عدة أشهر، فضلاً عن تطورات السويداء في الأيام الماضية، حيث أقدم مسلحو «النصرة» وبعض السكان من البدو على إحراق بيوت قرية بيت داما في المقرن الغربي من السويداء، بعد نهبها وقتل 14 شخصاً، بينهم سيدة مسنة وطفل في الـ11 من عمره.
مشايخ البياضةوالشوف في تماهٍمع موقف مشايخ العقل في سوريا
يقول أحد المشايخ المعروفين بقربهم من جنبلاط وعدائهم لحزب الله، إن «داعش عدوّ الجميع سنّة وشيعة ودروزاً ومسيحيين». لم ينتظر الشيخ حراك جنبلاط الأخير ليدرك أن «الوقت ليس وقتاً للنزاع مع حزب الله، بل لمحاربة داعش». سبق أن شعر الشيخ بتغيّر المزاج منذ العام الماضي، فبدأ يغرّد ضد التكفير في مجالسه الخاصة، من دون أن يخرج عن الخطاب الجنبلاطي. وفيما كانت المرجعيات الدينية في لبنان أقرب إلى المواقف التي اتخذها مشايخ العقل في سوريا، يبدو هؤلاء الآن، من خلوات البياضة في حاصبيا إلى مشايخ الجرد والشوف، في تماهٍ تام مع هذا الموقف.
عملياً، انتهت مفاعيل أحداث أيار 2008 في الجبل. خطر «داعش» لا يقارن بالحنق على حزب الله. زار البيك الشويفات وديرقوبل وقبرشمون وعيناب، ومان على مشايخ آل الخشن وجماعة «الداعي عمار» لطيّ جراح الماضي مع المقاومة، من دون أن يغفل بيصور التي يزورها في نهاية هذا الأسبوع الحالي مع النائب طلال أرسلان.
حتى مسؤولو حزب الله في الجبل يقولون إن «رصد الجو الدرزي العام يشير إلى تغيّر واضح في المزاج في الفترة الماضية، ولقاء جنبلاط بالسيد حسم الأمور». وإن كانت مصادر الحزب الاشتراكي في نشوة تامة لتكامل الجو الدرزي مع جنبلاط، تسارع مصادر الحزب الديموقراطي اللبناني إلى التأكيد أن «هذه هي رؤية المير منذ البداية». وتشير مصادر الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يشارك بفاعلية في الدفاع عن محافظة السويداء، إلى أن «الجو العام في الجبل (لبنان) بدأ بالتفاعل بشكل أكبر مع الأحداث السورية، خصوصاً بعد الفظاعات التي يمارسها التكفيريون في سوريا، ولا شكّ في أن موقف جنبلاط الجديد سيساهم في زيادة التفاعل». أما الوزير السابق وئام وهّاب، فقد أتى جنبلاط إلى حيث وقف هو منذ البداية، وتنقل مصادره في الشوف «أخباراً طيبة» عن «اصطفاف الدروز الخالص ضد داعش».
الهبّة في الجبل، في عاليه والمتن الأعلى تحديداً، بدأت تترجم نشاطاً ملحوظاً في عمل البلديات، إذ كثفت شرطة البلديات مراقبة العمال والنازحين السوريين في القرى وأماكن تجمعاتهم، وعادت إلى التشدد في تطبيق «أنظمة» السكن للنازحين، مع قيودٍ واضحة على حركة التنقل الليلية. ولا شكّ في أن الأنظمة الجديدة تأخذ الصالح في عزاء الطالح من العمال والنازحين السوريين، إذ تنقل مصادر متابعة أخباراً عن اعتداءات على العمال، مشابهة لتلك التي حدثت بعد الخروج السوري من لبنان، وبعد أحداث أيار 2008.
ولا تخفي مصادر متعددة في الجبل ووادي التيم، ومنها مصادر الحزب الاشتراكي، أن يكون «الخوف في المناطق الدرزية من أن يكون بعض الداعشيين قد تسلل إلى إقليم الخروب أو البقاع الغربي… وربّما إلى الشوف وعاليه»، وتنفي المصادر أن يكون قد تم توقيف أي مطلوب «داعشي» في الجبل في الفترة الماضية، على الرغم من الإشاعات.
مسألة أخرى ينبغي التوقف عندها. تنتشر في القرى الدرزية حالة من الرغبة في التسلح والأمن الذاتي. ومع أن جنبلاط عمّم على مسؤولي الحزب وكرّر أكثر من مرّة رفضه للأمن الذاتي وطالب بحصر الأمر بالأجهزة الأمنية اللبنانية، تتردّد أصوات الرصاص البعيد في بعض أودية عاليه والشوف منذ أكثر من شهر، في ما تشير إليه مصادر أمنية بـ«تدريبات لمشايخ ومدنيين على الرماية».