استقالة الإبراهيمي.. وانهيار الوساطة الدولية حول سوريا
«جنيف» السوري في مهب الريح
فراغ ديبلوماسي دولي حول سوريا، والوساطة الأممية ـ العربية لم تفشل فحسب، بل إنها اختفت مع تتابع استقالات أركانها الواحد تلو الآخر، وفراغ جميع المناصب المولجة بتسييرها، من ناصر القدوة، فمختار لماني، حتى الأخضر الإبراهيمي.
وألقى المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، بعد عام ونصف العام على خلافته كوفي انان في آب العام 2012، عصا ترحاله الديبلوماسية، مسلماً باستحالة تحقيق أي تسوية سياسية، انطلاقاً من إعلان جنيف، وفي ظل استمرار الرهان، من طرفي النزاع السوري، على الحل الوحيد غير المعلن: الحسم العسكري.
غادر الإبراهيمي المركب الغارق للوساطة الأممية ـ العربية التي لم يقبل بها إلا على مضض، وحاول عبثاً أكثر من مرة التخلي عنها، والاكتفاء بلقب الوسيط الدولي لو لم ترفض الأمانة العامة للأمم المتحدة الطلب، حرصاً منها على ازدواجية المظلة العربية الدولية، وفي نزاع عربي.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والى جانبه الإبراهيمي في مقر الأمم المتحدة، إنه «قد قبل استقالة الإبراهيمي، لكنه سيواصل العمل فيه حتى نهاية ايار الحالي»، لإتاحة الوقت أمام الأمم المتحدة للعثور على من يخلفه في المهمة.
وقال الإبراهيمي «ليس الأمر لطيفاً جداً بالنسبة لي. من المحزن جداً أن أترك المنصب، وأن أترك سوريا ورائي في تلك الحالة السيئة». وأضاف «كل من يتولى مسؤولية ومن له تأثير في الوضع عليه أن يتذكر أن السؤال هو: كم من الناس يجب أن يُقتلوا؟ وكم من الدمار يتعين وقوعه قبل أن تصير سوريا من جديد هي سوريا التي عرفناها؟». وأعلن أنه استقال قبل أن يقدم تقريره أمس إلى مجلس الأمن، متحدثاً عن الجهود التي آلت إلى الفشل في «جنيف 1» و«جنيف 2» وانعدام الآمال بالذهاب إلى جولة ثالثة من المفاوضات.
ويقول ديبلوماسي غربي إن الأمم المتحدة قررت هذه المرة قبول استقالة الإبراهيمي ولم تثنه عن تقديمها، كما كانت تفعل في مرات سابقة عديدة كان يهدد فيها بتقديم استقالته، لتحسين شروط عمله، أو الضغط على الروس والأميركيين، لتنشيط المفاوضات حول جنيف، وجلب أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات. ويبدو أن تكرار التهديد بالاستقالة، والقناعة بأن الوساطة في سوريا وعملية جنيف أصبحت مؤجلة لوقت طويل، قد شجعا الأمانة العامة للأمم المتحدة على قبول استقالة الإبراهيمي، الذي لم يطالبه احد بالعودة عنها.
ومع استقالة الديبلوماسي الجزائري المخضرم، الذي لم يتخذ قراره بالاستقالة إلا على مضض، تكون قواعد البعثة الدولية للوساطة في الحرب السورية قد انهارت بكامل أركانها، إذ يلحق الإبراهيمي المستقيل، بمساعده ناصر القدوة، الذي قدم استقالته نهاية العام الماضي.
وكان العنصر الثالث والأساسي في المهمة الديبلوماسي المغربي – الكندي مختار لماني، قد استقال من رئاسة مكتب الأمم المتحدة وتمثيل الإبراهيمي في دمشق، من دون أن تتمكّن الأمم المتحدة من تعيين بديل له، اذ لا يزال المرشح البريطاني لخلافته مارتن غريفيث ينتظر، منذ شهرين تقريباً، جواباً من السلطات السورية على طلب اعتماده بديلاً عن المستقيل لماني في مكتب دمشق.
والأرجح أن استمهال الأمم المتحدة الإبراهيمي، الشهر الماضي تقديم استقالته، لكي تتمكن من العثور على اسم بديل، لم يثمر. وخلال الفترة التي سيقضيها مبعوث تصريف أعمال الوساطة الدولية الأخضر الإبراهيمي، حتى نهاية الشهر الحالي، ستواجه الأمم المتحدة صعوبات كثيرة في العثور على بديل مقنع، حيث يتطلّب تعيين وسيط جديد، الحصول على موافقة جميع الأطراف لتعيينه، إذ لا تزال الأسماء المتداولة، مجرد اقتراحات يجري تداول أكثرها إعلامياً، بحسب مصدر ديبلوماسي عربي في نيويورك.
ويتطلب تعيين البديل تفاهمات روسية – أميركية لا تتوافق شروطها الآن، ليس بسبب تفاقم الخلاف حول أوكرانيا فحسب وإنما أيضاً بسبب صعوبة إحداث أي اختراق في العملية السياسية في سوريا وإحياء جنيف بعد التطورات الميدانية، ولو كان ذلك ممكناً لما استقال الإبراهيمي.
ويقول مسؤول سوري إن أياً من الأسماء المتداولة، لم تجر استشارتنا بها ولم نعلم بها إلا عبر وسائل الإعلام. ما يعني أن مسألة استقالة الإبراهيمي لم تؤخذ بجدية إلا في الأيام الأخيرة. ويتردد في بورصة الترشيحات إلى خلافة الإبراهيمي اسم كمال مرجان، وزير الخارجية والدفاع ومندوب تونس زين العابدين بن علي إلى الأمم المتحدة.
ويقول مصدر ديبلوماسي في باريس إن الأمم المتحدة قد تبلغت من المغرب وتونس عدم رغبتهما بتولي أي من ديبلوماسييهما منصب الوساطة في الأزمة السورية. وكان كمال مرجان، المرشح الوحيد الذي طلب عبر الاتصالات التي أجراها مع الأمم المتحدة، تولي هذا المنصب. والأرجح أن دمشق لن توافق على التصديق على تعيينه لقربه من الولايات المتحدة، وعدم استقلاليته، واحتمالات أن يكون المنصب، كما تقول، محاولة لتعويمه في المشهد السياسي التونسي.
ويقول المصدر الديبلوماسي إن اسم خافيير سولانا لم يطرح رسمياً، وانه لم يطلب تعيينه في المنصب. ويستبعد مسؤول سوري أن تقبل دمشق بسولانا، الامين العام السابق لحلف شمال الأطلسي، خليفة للإبراهيمي. وإذا كان اسم وزير الخارجية الاسبانية الاسبق ميغيل انخيل موراتينوس يلقى استحساناً لشخصه في دمشق، إلا أن تمثيله للاتحاد الأوروبي رأس الحربة في الهجوم على سوريا، لا يجعل منه مرشحاً توافقياً مقبولاً.