لا يزال مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب يدور في متاهة من يتصور انه على حق، وهو قادر على ان يسمع صوته للرأي العام اكثر من سواه الى درجة لم يعد احد يعرف من هو على حق ومن هو على باطل، لاسيما ان الذين يدعون ان غيرهم على باطل، لم يعودوا يدركون اين هي الحقيقة، بل من الذي يخوض غمار المطالب المحقة او الباطلة لا فرق؟
ان وصول الارقام الى حد الاعتراف بأن الموازنة غير قادرة على ان «تلبي المطالب يعني ان لا مجال امام دفع المستحقات الى ان جاء الحديث الطارئ عن موضوع دفع الرواتب حيث لا مجال لكلام على توفرها تقليدا اي ان دفع الرواتب سيتأثر في مجالات دفعها.
وقد جاء تبرير على لسان وزير المال علي حسن خليل مفاده ان لا حاجة للهلع لان الاموال متوفرة، فيما فهم بعضهم العكس وبدأ بالحديث عن عدم توفر الاموال للرواتب، ما ترك البعض يتصور صراحة ان لا مجال بعد الان لدفع الاجور، باستثناء ما هو مطلوب لجهة الرواتب العادية الى ان تبين ان العكس صحيح الى حد اختلاط الكلام بين الرواتب العادية والسلسلة.
وعندما احتاج بعضهم الى كلام من قبل حاكم المصرف المركزي عن توفر الاموال لدفع الاجور، كان كلام من جانب وزير المال مفاده ان لا مجال للمطالبة بسلف تتعدى المخصصات المالية التقليدية الى ان جاء من يتحدث في المقابل عن حق او عن باطل، عن ان مالية الدولة ليست ولا بد من انها قد اهتزت من غير ان يقدم دليلا على ذلك، وفي الخلاصة تبين خطأ الكلام قياسا على قصور من يرغب في القول ان مالية الدولة قد اهتزت او هي على مشارف الاهتزاز؟!
وفي عودة الى سلسلة الرواتب والاجور، فان من لا يزال يتصور انه قادر على سحبها «من زلاعيم الدولة» لم يعد مقتنعا بمقولته مهما ارتفع منسوب الاضرابات والتصريحات، لاسيما ان مجالات تأمين الاموال للسلسلة لم تعد متوفرة لا اليوم ولا غدا ولا بعد غد، الا في حال كانت رغبة لدى البعض لادخال الدولة في تفليسة مقصودة لكشف الحساب العام، وهذا بدوره من الامور المستبعدة طالما بقي في البلد مسؤول واحد لا يريد المراهنة على مصير مالية الدولة (…)
ومن الان الى حين اقناع اصحاب المطالب بان لا مجال لزيادة الرواتب والاجور، ستبقى الامور مقبولة نسبيا والعكس صحيح في حال جاء قرار غير مدروس لا يأخذ في الاعتبار قرار الزيادة المسؤول». وهذا بدوره محل تطاحن بين النقابيين من جهة وبين الذين يرفضون الخوض في زيادات عشوائية على الرواتب والاجور؟!
وفي المقابل هناك من يصر على تصحيح اوضاعه المالية مثل متعاقدي الجامعة اللبنانية الذين يرون انهم على حق وغيرهم على باطل، في زمن ضاعت الموازين السياسية، حيث ازداد عدد طالبي التثبيت من مئة واربعة وستين استاذا متعاقدا الى اربعماية استاذ يتطلعون الى من يثبتهم وهذا بدوره من ضمن ما لا يجوز الخوض فيه، فيما يحتاج ملاك الجامعة اللبنانية عموما الى اقل من مئة وعشرين بالامكان تثبيتهم، باستثناء ما هو مطروح سياسيا من هذا الجانب او ذاك الى حد اعتبار الجامعة مغارة علي بابا من المستحيل التعاطي مع شؤونها من غير ان تتحقق السلاسة في التعيين وفي السلسلة في وقت واحد؟!
وفي حال كان مجال لافهام قطاعات اخرى بأن مجالات زيادة رواتبها غير مباشرة قبل ان تتحدد ارقام الموازنة العامة، فان الذين يصرون على تصحيح سلم الرواتب والاجور لا يزالون يتصورون ان الدولة في وضع مالي سليم كأنهم يتباهون بان من واجبهم المطالبة بما يريدونه (…)
اما بالنسبة الى الاساتذة والمعلمين، فانهم لا بد يتطلعون الى ان يجبروا الدولة على دفع المستحقات التي يرجونها والا فانهم لن يصححوا الامتحانات مع ما في ذلك من تصرف غير منطقي بقدر ما فيه من تصرف عشوائي يرون ان لا بد من اعتماده مهما اختلفت الاعتبارات، لاسيما ان من راجعهم من المسؤولين قد اخطأ في اعطائهم وعودا من الصعب، بل المستحيل الوفاء بها قبل ان تتضح مالية الدولة والارقام التي بوسع مجلس النواب اقرارها مع العلم ايضا ان لا مجال امام مجلس النواب لعقد جلسات تشريعية قبل حل قضية الانتخابات الرئاسية، وهذا التضارب في ما هو مطلوب لن يستقيم مع ما هو مرجو، لان الحال السياسية سوأ كثيرا من الحال المالية بدليل ما هو معاش بحسب دلائل القلم والورقة؟!