IMLebanon

حتى حين “يصدقون”؟

قد يكون أغرب ما واكب جلسة مجلس النواب التضامنية مع غزة ومسيحيي الموصل هو تعرض المجلس لإدانة الرأي العام الداخلي لإجماع لبناني نادر قل نظيره وسط ازمة داخلية مصيرية تتعملق باطراد على وقع هذه الظروف الاقليمية المفزعة. ونقول إدانة وليس لامبالاة او تجاهلا أو استخفافا لان الامر ينطوي على ما يتجاوز البعد الإجماعي الذي شاءه المجلس في إظهار وحدة حال لبنانية حيال تطورين يعنى بهما لبنان مباشرة الى لعنة باتت تطارد البرلمان والنواب والقوى السياسية والمراجع قاطبة وتشكلها حالة التشكيك في مجموع هذه الطبقة حتى حين “ترتكب” فضيلة موصوفة.

لا يرتبط هذا التشكيك بالفشل المتواصل للمجلس في انتخاب رئيس الجمهورية الجديد فحسب كما غلبت الانطباعات الداخلية على جلسة تحقق نصابها بسحر ساحر فيما تسع جلسات لانتخاب الرئيس حتى الآن تخضع لمسخرة انتهاك النظام ومسخ الرئاسة وتعريض الجمهورية لتقويض شامل. انها مسألة انهيار طبقة سياسية وتهالك صدقيتها بالكامل كما لم تواجهه من قبل أي طبقة سياسية حتى في عز حقبات الحروب. ولعلنا لسنا مع المنطق العبثي الذي يسود معظم الفئات اللبنانية من ان العجز عن امر جوهري كالانتخابات الرئاسية يجب ان يقعد المجلس والحكومة عن اي أمر آخر اذا أتيح لهما الإنجاز فيه. هذا منطق عدمي ومنتهك بدوره للدستور وقواعد استمرارية الدولة حتى في غياب رأسها. ولا نعتقد ان جلسة نيابية ولو منبرية أظهرت إجماعاً لبنانيا على إدانة العنصريتين الاجراميتين الإسرائيلية والداعشية تخلو من دلالات مهمة اقله حين يعاين اللبنانيون مفردات موحدة شبه حرفية بين نواب “حزب الله” و”القوات اللبنانية” مثلاً. هذا امر يتجاوز التكاذب الكلامي التقليدي الداخلي ونريد ان نظن بحق انه يعكس وحدة المخاوف المصيرية اللبنانية من الأهوال الاقليمية ولو من مواقع متناقضة منقسمة وحتى متحاربة سياسياً.

مع ذلك سيجد المجلس وارث نفسه في التمديد الاول ومن ثم في مشروع التمديد الثاني الذي على الأبواب ووسط العجز التصاعدي عن انتخاب رئيس الجمهورية ما لم يسبق لمجلس ان واجهه من قبل وحتى ولو استتب له الامر تمديداً اضافياً في نهاية المطاف. فمواطنو هذا المجلس وناخبوه وان كانوا على صورة ملوكهم وزعمائهم وأحزابهم صاروا اليوم في مقلب مختلف تماماً لفرط ما امعنت فيهم الازمات من ضيق واختناق . اقله بتنا امام مواطن لا يصدق حتى الصدق فكيف بالأكثر؟ ولن يجدي “ارتكاباً” صحيحا في تقويم مسيرة عرجاء طويلة ممددة مع اضافة هائلة للسقوط مثلتها لهفة المقاطعين للانتخابات الرئاسية على ضحايا غزة والموصل وقت كان يمكن انتخاب الرئيس في الجلسة إياها ليشكل الرد القاطع الافضل على مجموع الأخطار الزاحفة على لبنان.