IMLebanon

حتى لا تصبح غزّة ضحية للأجندات الخارجية

 

فجرت حرب غزة الضاربة المستعمرة الآن أزمة سياسية تزداد اتساعاً وشمولاً ليس على صعيد ما حصدت من شهداء فلسطينيين في غالبيتهم من المدنيين بما فيهم النساء والأطفال والمسنين فحسب وقد ناهزوا الالف في بضعة ايام، ولا من سقط من جنود الاحتلال الاسرائيلي (نحو الستين) بل ثمة حرب سياسية تزداد حدة بين العواصم الاقليمية وتطاول ايضاً العواصم الدولية المعنية وعلى رأسها واشنطن حليفة اسرائيل التقليدية والتي يشكل فيها اللوبي الاسرائيلي قوة ضاغطة كبرى سواء مباشرة أو على صعيد البروتستانت ـ المتهودين (Judeo-protestant force Task) وينضم مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي في محاولات ما زالت غير مجدية لوقف القتال.

المثير في هذه الحرب السياسية ان وسائل الاعلام الرسمية أو التابعة لعواصم دول المنطقة تطلق الاشاعات والاتهامات لتلقى تبعات التعبئة والتحريض بل التمويل والدعم اللوجستي بحق بعضها البعض الآخر. وتعمد الرسائل الالكترونية عبر «الفيس بوك» وما شابه بتنفيذ هذه المهمة المريبة التي لا يجني منها الشعب الفلسطيني سوى المزيد من النزف وسقوط المزيد من الشهداء. كأن نقرأ مثلاً اتهامات للمملكة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي او الامارات المتحدة بتمويل اطلاق الحرب التي تتكبدها اسرائيل في قصفها واجتياحها لقطاع غزة المنكوب. فهل يعقل هذا ما هي مصلحة المملكة ودول الامارات في التورط بهكذا عمل، ونحن نعلم أي جهود قد بذلتها السعودية بل خادم الحرمين الشريفين في اتفاق مكة الشهير الذي لم يدم طويلاً فظل الانقسام على حاله بين حماس ـ الجهاد الإسلامي من جهة والسلطة الفلسطينية. بل يذهب المتهمون للمملكة في تحليل ميكانيكي للاسباب كأن يدعون ان حماس وحلفائها يحملون فكر الاخوان المسلمين انفسهم أولئك الذين اطاحت بهم حركة 30 حزيران (يونيو) 2013. وهم في اتهامهم هذا يأخذون على المملكة دعمها المالي الكبير الضخم للنظام المصري الجديد وفتح ابواب السعودية ودول الخليج امام العمالة المصرية التي تشكل ازمة مصر الاقتصادية والبطالة الموازنة فيها عنصراً مقلقاً في عدم ثبات الأوضاع المصرية. هذا ناهيك عن الصفقة الضخمة التي تكفلت بها دول مجلس التعاون في توظيفات مالية طويلة الأمد في مصر وصلت لحدود الـ 40 مليار دولار. إلا ان هذه الاتهامات تسقط من حسابها الوقائع الدافعة والثابتة منطقاً ان حماس متورطة كلياً في تصدير الارهاب الاخواني الى مصر. فمعبر رفح والانفاق التي حفرتها حماس نحو سيناء الشمالية قد صدر السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والانتحاريين لتقويض الوضع المصري. وكان من المؤسف بمكان ان تنضم قطر وتركيا الى جوقة الاتهام ذلك تسديداً للفواتير الاميركية المدفوعة سلفاً بدعم ما تسميه واشنطن الاسلام المعتدل الذي نشهد حاليا في ليبيا الى اين اوصل الأوضاع هناك. بالطبع كان من المثير بمكان ايضا انه منذ اشتعال الحرب في سوريا، عمدت حماس الى اقفال مكاتبها في دمشق لتحط رحالها في مصر ثم لتنتقل الى قطر حيث استقر امينها العام خالد مشعل هناك وما زال. ولم ترق لا للدوحة ولا لانقرة المبادرة المصرية الايجابية والتي تدعو الى وقف فوري لاطلاق النار ودعوة حماس ـ الجهاد الاسلامي الى القاهرة للتباحث مع الوفد الاسرائيلي هناك حول تحديد البنود الأخرى. بل تحولت المبادرة المصرية الى شبه محاكمة للنظام المصري الجديد ودليل اتهام متخم بالتشكيك وسوء النوايا.

إلا ان المعلومات والوقائع تشير إلى محاولات إيرانية حثيثة لاستعادة ما خسرته طهران عندما شجعت الانشقاق بالمال والسلاح.

كلنا نعلم مدى الظمأ الشديد والتوق اللامحدود لدى النظام الايراني للوصول الى المتوسط، واي مصلحة للنظام الايراني بتحويل العراق إلى محمية ايرانية وبارسال الجنود النظاميين ولوائي القدس وأبو الفضل العباس إلى سوريا حيث لاقاهم الى هناك مقاتلو حزب الله. بل ما كان من تصريحات ايرانية رسمية باعتبار العراق وسوريا ولبنان ايضا محافظات ايرانية خاضعة لارادة طهران. فأي مصلحة للمملكة السعودية والحالة هذه في اعتماد منطق مشابه كهذا وسعي موهوم ومزعوم للسعودية لمد نفوذ لها حتى فلسطين وغزة ولبنان؟ ألم تعارض المملكة غزو العراق عام 2003 بل عارضت بشدة ما كان من امر التقسيم الفعلي للعراق وتحويله الى محمية إيرانية؟ ألم تحاول بشتى الوسائل اقناع الديكتاتور الدموي بشار الأسد بعدم اغراق بلاده في حرب داخلية مدمر باجراء اصلاحات جدية؟ ألم تدعو في جميع مؤتمرات اصدقاء الشعب السوري لايجاد ممرات آمنة لاغاثة الشعب السوري المنكوب؟ الم تبذل وسعها من أجل استعادة الشعب الفلسطيني وحدته الوطنية؟ ألم تقف بقوة أمام أطماع الغرب بالسيطرة النهائية على مصر وكانت على شفير الحرب الأهلية، فقدمت لها دعماً مالياً واقتصادياً هائلاً ليحذو حذوها اتحاد الامارات فيما بعد؟ ألم تعارض بقوة صفقة الاتفاق النووي الايراني مع الغرب وأميركا بالذات رافضة البنود السرية التي يتضمنها ما يعني تسليم المنطقة العربية للنفوذ الإيراني؟ ألم تحرص المملكة في سياسة مدركة داعية تابعة على تجنيب منطقتنا الصراع المذهبي الذي تحول الى امتثال اسلامي ـ اسلامي سني ـ شيعي كما تشهد المنطقة الآن؟ ألم تؤكد المملكة حرصها الثابت على وحدة لبنان وشعبه فقدمت للجيش اللبناني ما يربو على 3 مليارات من الدولارات ليصبح قادراً على الرد على اي عدوان اسرائيلي وتستعيد الدولة اللبنانية قرار الحرب والسلم ممن سلبوها اياه؟

وماذا عن المبادرة العربية في قمة بيروت 2002 وراعيها الكاهل السعودي التي ما زالت حتى اللحظة تشكل وحدها الاساس والمنطلق لاحلال السلام في المنطقة؟ بل قد سمعنا أخيراً تلك الاتهامات الباطلة بأن الرياض هي التي تدعم التطرف الداعشي الذي يعيث فساداً في العراق وسوريا، لتبين الوقائع فيما بعد ان هذه الظاهرة المخيفة هي من صنع النظام الاسدي وحليفه حكومة المالكي لتصل اصابع الاتهام الى طهران نفسها التي تبنت واقتبست عن السياسة الاميركية نظرية «الفوضى الخلاقة» نفسها والتي يشكل الاقتتال الاسلامي ـ الاسلامي أحد نتائجها المدمرة؟ بل عبثاً حاولت الرياض الدعوة الى حل سياسي في سوريا، بل لاستنهاض الوضع اللبناني المتردي والتأكيد على تداول السلطة وتجنيب الشغور في موقع الرئاسة الأولى الشاغر الآن؟

سياستان متعارضتان في منطقتنا العربية الآن: السياسة السعودية التي تتزعم الدول العربية المعتدلة الحريصة على هويتنا العربية ابتداء بالعراق ومروراً بسوريا ولبنان وفلسطين وانتهاء بمصر، والسياسة الايرانية التي تعبث بوحدة العراق وتقدم الدعم المالي واللوجستي للنظام الاسدي، وتقدم له المقاتلين المذهبيين ما يؤدي الى استنفار مذهبي آخر فيولد من رحم داعش وفظاعتها، فالى اين تقود الطروحات المذهبية منطقتنا العربية. فمن الذي يخدم عملياً والحالة هذه مصالح اسرائيل؟ ولمصلحة من ما زالت السياسة القطرية ـ التركية تضغط على حماس والجهاد الاسلامي لرفض المبادرة المصرية وإطالة حرب غزة المدمرة وقد بلغ الدمار حدوداً هائلة وبلغ عدد الشهداء نحو 1500 شهيد والجرحى نحو 7 آلاف.

ان وقف اطلاق النار فوراً والدخول في مفاوضات ندية مع اسرائيل لوقف الحرب، واعتماد المبادرة المصرية كاساس صالح لهدنة مستدامة، هو السبيل الوحيد لوقف الدمار والنزف. ما قد يفسح في المجال لاستعادة الفلسطينيين وحدتهم المفقودة والكف عن التورط الايراني في الشأن الفلسطيني وان تدرك الدوحة وأنقرة ايضا بضرورة رفع اياديهما عن فلسطين.