مَن يراقب المشهد على ضفتي 8 و14 آذار والوسط الذي بينهما، على مسافة ايام من الجلسة الاولى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، قد يجد نفسه وقد اختلطت عنده صورة آخر أنتخابات رئاسية جرت قبل الحرب الاهلية 1975، أي في العام 1970 والتي فاز فيها سليمان فرنجية على منافسه الياس سركيس بفارق صوت واحد، مع صورة آخر انتخابات رئاسية جرت في نهاية تلك الحرب التي انتجت اتفاق الطائف وجاء بموجبها الرئيس رينه معوض رئيساً بتأخير لمدة تزيد عن العام عن موعد اجراء تلك الانتخابات.في هذا الاختلاط يبدو ان الانقسام الذي يسود حاليا قوى 14 آذار وكأنه يعكس انتخابات 1970 مع فارق ان الرئيس أمين الجميل والدكتور سمير جعجع ليسا في موقع سركيس وفرنجية، في حين ان الصمت الذي يسود قوى 8 آذار يبدو وكأنه يعكس مرحلة الفراغ الرئاسي الذي ساد بعد 23 أيلول 1988 عندما ترك الجميل قصر بعبدا بيد قائد الجيش ميشال عون على رأس حكومة انتقالية ليخوض من موقعه الجديد حرب الغاء ضد “القوات اللبنانية” بقيادة جعجع وحرب تحرير ضدّ قوات الرئيس السوري حافظ الاسد. وعلى رغم وجود ملامح تبرّر هذا الاختلاط فأن القاعدة الذهبية”لا يستحم المرء في ماء النهر نفسه مرتيّن” هي الادق كي لا يذهب الفكر الى الظن ان التاريخ يعيد نفسه. في المقابل تبقى هناك ملامح مما مضى. ويخشى البعض ان يكون التنافس غير المبرر الذي يدور حاليا بين الجميل وجعجع وكأنه استعادة “حرب الالغاء”، في حين ان انكفاء عون وكأنه تسليم بـ”حرب تحرير” لا يخوضها هو هذه المرة بل يخوضها حليفه “حزب الله” في سوريا.
من المؤسف ان لبنان لم يعد يملك القدرة على ممارسة ديموقراطية 1970 الممهورة بمسدسات وعضلات اقتحمت مبنى البرلمان في ذلك العام.لكن من المفرح ان لبنان لم يعد الى ظروف عام 1988 عندما حذر المبعوث الاميركي لبنان ريتشارد مورفي من معادلة “إما مخايل الضاهر رئيسا وإما الفوضى” فانتهى الأمر الى الفوضى. ما يجري اليوم، ولو بدا هذا التوصيف جارحاً، هو حالة دونكوشيتية تسود 14 آذار وكأن هناك تجاهلاً فاضحاً للواقع الذي يقول إن هذه القوى ليست في موقع المنتصر لتملي شروطها. كما ان هناك حالة انكار تسود قوى 8 آذار الذي يخيّل فيها لـ”حزب الله” انه ينتصر في سوريا فيما هو يقامر بدماء الآلاف من الشباب الشيعة انفاذاً لأوامر سيده في طهران الذي يقود ايران وعدداً من اقطار المنطقة الى الخراب. اذن، ليس ما يدور على جبهة الجميل – جعجع هو “حرب الغاء” بل هو “حرب تشتيت” لـ 14 آذار. كما أنه ليس ما يدور على جبهة “حزب الله” – عون “حرب تحرير” بل “حرب تجهيل” للاسباب الحقيقية التي تضع لبنان على رف الانتظار في الشهور المقبلة. اذا لم تكن هناك آذان صاغية وعيون مفتوحة قبل جلسة الاربعاء المقبل، فإن الايام المقبلة ستقنع الجميع ان لبنان صار اليوم رصيف انتظار. لننتظر.