IMLebanon

حرب غزة والخوف من الوقوع في الفخ الإسرائيلي!

ستتوقف هذه الحرب الظالمة التي كانت حكومة القتلة بقيادة بنيامين نتنياهو تنتظر الذريعة الواهية التي قدمها لها الذين وضعوا القضية الفلسطينية على رقعة شطرنج الصراعات والتجاذبات العربية والإقليمية، ولكنها بالتأكيد لن تنتهي وستكون هذه «الهدنة» التي يجري الحديث عنها مجرد استراحة بين شوطين إن لم تدرك إسرائيل أن جنازير الدبابات والصواريخ والمجازر الجماعية لن تجعل الشعب الفلسطيني يستسلم ويرفع يديه، وأن حرب غزة ستتكرر ألف مرة وربما تنتقل إلى الضفة الغربية إن لم يحصل هذا الشعب المكافح على هدفه المتمثل في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على كل الأراضي التي احتلت في الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

والمؤكد أن الأخطر على الشعب الفلسطيني وقضيته المقدسة هو أن تبدأ بعد توقف إطلاق إن في هدنة قصيرة أو هدنة طويلة، الحروب الكلامية الجاهلية بين محور بات منذ الآن يعتبر أن هذه الحرب هي حربه، وبات يصرّ على عدم وجود الآخرين نهائيا، بل وبات يتهم «هؤلاء» بالتآمر والتخاذل، ومحور آخر قال منذ اللحظة الأولى إنه كان بالإمكان تجنب هذه الحرب، وأنه كان يجب عدم إعطاء بنيامين نتنياهو المبرر الذي كان ينتظره على أحرّ من الجمر، ليقوم بكل هذه الجرائم التي ارتكبها في وضح النهار، وليذبح غزة بهذه الطريقة التي لا تشبهها إلا الجرائم التي ارتكبها النازيون في الحرب العالمية الثانية.

نحن نعرف أن هناك من أراد هذه الحرب، بغض النظر عمّا أصاب قطاع غزة، وعن الجرائم التي ارتكبها الإسرائيليون ضد شعب غزة، لتصفية الحسابات التي ترتّبت على إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر ولإنعاش ما سمّي «فسطاط الممانعة والمقاومة» وللتنصل من المصالحة الوطنية الفلسطينية القصيرة العمر، ولمصادرة حق منظمة التحرير التي اعتبرتها قمة الرباط العربية في عام 1974، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.. وأيضا لتأكيد أن قرار هذه المنطقة هو قرار «المحور» الإخواني.. ـ القطري ـ التركي الذي يستظلّ بظل إيران، وأصبح أكثر إصرارا على إسقاط كل ما ترتب على ثورة الثلاثين من (حزيران) حتى بما في ذلك الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها وبجدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ولهذا فإن ليس المتوقع بل المؤكد أن مجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار إن في هدنة قصيرة، أم هدنة طويلة سوف تبدأ «حرب باردة» بين من سيدّعون الانتصار في هذه الحرب، والذين سيصرون على أن القرار بالنسبة للقضية الفلسطينية هو قرار حركة حماس، على اعتبار أنها أثبتت أنها هي المقاومة، وأنه لا قرار إلا قرار المقاومة.. وأنه لا صوت يعلو على صوت المعركة. وهذا يعني أن المصالحة الفلسطينية إما أنها ستنتهي، وإما أنه سيتم تجميدها، وأن حكومة الوحدة الوطنية ستتحول إلى: «شاهد ما شافش حاجة»!!

وكل هذا في حين أن المفترض أن تنصب الجهود كلها في اتجاه أن تفتح حرب غزة، هذه الأخيرة، أبواب عملية السلام على مصاريعها وأن يلتقي المحوران العربيان والإقليميان المتنافسان عند ضرورة إفهام الولايات المتحدة والغرب والعالم كله أنه لا نهاية لهذه الحروب المتلاحقة إلا بالعودة إلى المربع الأول الذي هو حل القضية الفلسطينية حلاً جذرياً ونهائياً وعلى أساس القرارات الدولية.

ولعل ما يجب أن يشجع على هذا أن هناك آراء غربية وأميركية بدأت تتحدث عن أنه لا نهاية إطلاقا لكل هذه الحروب ولكل هذا العنف، إلا بوضع حد نهائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وعلى أساس القرارات الدولية المشار اليها آنفاً، وهنا، فإنه يجب التذكير بأن التوجه الحقيقي والفعلي لإنهاء هذا الصراع كان بدأ بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 وبعد الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982 وأيضا بعد حرب إخراج قوات صدام حسين من الكويت التي كانت، إذا جاز التعبير، بمثابة حرب كونية.

كان الإسرائيليون قد بادروا إلى غزو لبنان في عام 1982 بعدما وفّر لهم صبري البنا (أبو نضال)، زعيم ما كان يسمى حركة «فتح» – المجلس الثوري المبرر الذي كانوا ينتظرونه بمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي السابق في لندن شلومو آرغوف، وكان هدفهم الحقيقي هو التخلص من منظمة التحرير ومن عملية السلام. ولعل ما يجب أن يقال هنا ورغم أنه سيغضب الكثيرين أن من قاموا بخطف الشبان الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم قد فعلوا ما فعله أبو نضال، وأنهم أعطوا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المبرر الذي كان ينتظره وكان يريده لغزو غزة وارتكاب المجازر البشعة التي ارتكبها فيها، ليعيد خلط الأوراق في المنطقة وليعزز الانقسام في الساحة الفلسطينية.

في عام 1982 كان مناحيم بيغن ومعه وزير دفاعه آرييل شارون الأكثر إجراماً منه قد أعد «شباكاً» لنقل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (ابو عمار) وعدد من زملائه في قيادة «فتح» بطائرات مروحية إلى إسرائيل لمحاكمتهم كمجرمي حرب، لكن كل مخططاته هذه كان مصيرها الفشل للصمود الرائع الذي حققه الفلسطينيون ومعهم الشعب اللبناني والحركة الوطنية اللبنانية، ولاقتناع العالم بضرورة إنهاء صراع الشرق الأوسط الذي أساسه القضية الفلسطينية، ولأنه كان هناك مشروع عربي للحل هو مبادرة الملك فهد، الذي كان يومها وليا للعهد في المملكة العربية السعودية، التي تمت مناقشتها في قمة «فاس» العربية الأولى والتي شكلت جدول أعمال قمة «فاس» الثانية، التي انعقدت بعد اتفاق ساهم في إنجازه الدبلوماسي الأميركي اللبناني الأصل فيليب حبيب الذي كان مثّل بلده الولايات المتحدة في مفاوضات باريس الأميركية – الفيتنامية الشهيرة.

لقد جاءت نتائج الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982 خلافا لكل ما أراده مناحيم بيغن، الذي حاصرت قواته بقيادة وزير دفاعه إيريل شارون بيروت الغربية لثلاثة أشهر. فرئيس الولايات المتحدة في ذلك الحين رونالد ريغان أطلق مبادرة قبل انعقاد قمة «فاس» الثانية بأيام قليلة. وبينما كان (أبو عمار) قد غادر العاصمة اللبنانية توا في طريقه إلى المملكة المغربية لحضور هذه القمة، لم تكن في الحقيقة تلبي المطالب العربية والفلسطينية في تلك الفترة المتقدمة، لكنها اعتبرت مؤشرا على تقدم الموقف الأميركي تجاه قضية فلسطين التي غدت ضاغطة على العالم بعد غزو إسرائيل للأراضي اللبنانية وبعد صمود الفلسطينيين في جزء صغير من بيروت كانت محاصرة من قبل الإسرائيليين من البر والبحر.. وأيضا من السماء.

والآن فإن تحويل حرب غزة الجديدة، يتوقف أولا وبالدرجة الأولى على حركة «حماس» التي لا يجوز إطلاقا أن تأخذها العزة بالإثم والتي من المفترض أنها أدركت أن الإسرئيليين أرادوا هذه الحرب لإنهاء خطوة الوحدة الفلسطينية، وللقضاء على الحكومة الوطنية التي جرى تشكيلها على أساس هذه الخطوة وللتملص من عملية السلام.

إنه على «حماس» أن تدرك أن سياسة المحاور الإقليمية هي الأخطر على الشعب الفلسطيني وقضيته، كما أن عليها أن تدرك أنه إذا كانت حرب غزة قد حققت انتصارا، فإن هذا الانتصار للشعب الفلسطيني كله وبقيادة محمود عباس ومنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد لهذا الشعب المكافح العظيم، وذلك لأن الحرب الحقيقية هي حرب عملية السلام وأنه للانتصار في هذه الحرب، لا بد من الحفاظ على الأطر الشرعية، وأنه لا بد من وحدة الموقف.

لا يجوز أن تقع «حماس» في فخ المهاترات التي من المتوقع أن يحاول البعض افتعالها بين الفلسطينيين استغلالا لبعض الاختلافات التي يجب ألا تكون بالنسبة لحرب غزة، ولا للحكم على حرب غزة.. إن أكبر هزيمة فلسطينية وعربية في هذه الحرب هي أن تزداد الهوة بين حركة المقاومة الإسلامية وبين «فتح» ومنظمة التحرير، وهي أن ينجح الإسرائيليون في تمزيق الصف الفلسطيني وتعميق الهوة بين المحاور الإقليمية المتصارعة والتي ستحاول استغلال هذه الحرب الأخيرة، وما جرى فيها، لتعزيز مواقفها بعضها ضد البعض الآخر، وكل هذا في مواجهة لن يستفيد منها سوى إسرائيل وسوى هذه الحكومة الإسرائيلية؟