IMLebanon

“حروب الآخرين” في سوريا؟

ما أعظمه كان غسان تويني إذ استخلص باكراً أن لبنان عانى أشد المحن من كثرة “حروب الآخرين” على أرضه. حفرت هذه العبارة في القاموس السياسي العربي. ها هو نظام البعث في سوريا – ويا لسخرية الأقدار – يكاد “يسرقها”.

مضى غسان تويني قبل سنتين الى الغياب تاركاً ودائع ثمينة. دفع من روحه أثمان أن تكون للعرب مكانة بين الأمم. حوّل “النهار” منبراً للأحرار. انحنى له الجميع على رغم أن الطغاة ناصبوه العداء. كيف يمكن نظاماً بطّاشاً كالذي في سوريا أن يتصالح مع قيم الحرية والديموقراطية والتعدد والتداول؟ هل يستوي التطلع الى غد مشرق من دون تعميم أنوار التعليم وما ينتجه من معرفة؟

أجريت الإنتخابات الرئاسية وكأن شيئاً لم يكن. أعيد انتخاب الرئيس بشار الأسد من غير أن يعود أي من اللاجئين المليونين ونصف المليون أو أي من النازحين الستة ملايين ونصف المليون الى هذا البلد المنكوب. يواجه نحو ٢٥٠ ألف شخص حصاراً خانقاً يهدد حياتهم جوعاً وعطشاً ومرضاً. ولكن صار ما صار وكأن الأفراح في ديارهم عامرة. تحدثت النتائج التي أصدرتها السلطات في دمشق عن نسب مشاركة ونجاح تفوق الخيال في كل أنحاء البلاد، ترافقت مع انتصارات ميدانية هنا وهناك. أليس هناك ما يستوجب العجب؟ لا يحتاج الأمر الى أكثر من حساب بسيط.

نعم، يمكن الإقرار بأن الإخفاق في اطاحة الأسد، بالإنتفاضة الشعبية أولاً وبالقوة العسكرية ثانياً وبفعل انتهاء ولايته الدستورية ثالثاً، يمكن أن تكون “انتصاراً” له وللحلف الذي ينتمي اليه. في أي حال، يتصرف قادة “حزب الله” وزعماء ايران وروسيا على هذا الأساس. لم يأت من عبث طلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري من هؤلاء أن يساهموا في تسوية سياسية للأزمة السورية. فليغرق من يغرق في هذه الموحلة المقتلة.

من حظ لبنان أنه لم يترنح بعد تحت وطأة جيرته الثقيلة. تتهدده ثلاثة أخطار كبيرة يمكن أن تجعله “دولة فاشلة”: استمرار تدفق اللاجئين السوريين، مواصلة “حزب الله” القتال هناك، واطالة أمد الفراغ الرئاسي. بينما يأخذ النزاع الضاري في سوريا أوصافاً عدة. تلك التي كانت ثورة حقيقية من أناس عاديين يصبون الى التنفس بحرية لم تعد كذلك. تحوّلت سوريا ساحة كتلك التي أرادها نظام الأسد للبنان طويلاً. أنظروا، لم يبق ساع الى السلاح والحرب والجهاد والإرهاب والنهب والإستشهاد والإنتحار إلا وأتى الى ساحة الموت هذه. يكاد البعض يسميها “حرب الآخرين” في سوريا، التي تبدو فيها المأساة الإنسانية طويلة.

قلة هم المتبصرون في لبنان، قلة هم الذين يرفعون القيم الإنسانية كالتي نادى بها غسان تويني.