تكوّن في الأسابيع القليلة الماضية تجمّع لرجال أعمال وإعلام وفن وسياسة من الحالمين بوصول قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى قصر بعبدا. يملأ هؤلاء الصالونات السياسية والإعلامية والكنسية، حالمين بأن حجزهم مطعماً لتكريم المرشح يحجز لهم مقعداً وزارياً أو غيره إذا رست البورصة على اسمه
قبيل سيطرة «داعش» على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا، كان التداول ـــ إعلامياً وفي الصالونات السياسية ــ باسم قائد الجيش العماد جان قهوجي مرشحاً جدياً لرئاسة الجمهورية قد تراجع كثيراً. لكن، لم تكد أصداء دويّ انفجار ضهر البيدر في 20 الشهر الماضي تتردّد، حتى عادت أسهم القائد الى الارتفاع، وبقوّة، في بوصلة الصالونات السياسية والإعلامية، لتتجاوز مستوياتها السابقة.
لا إشارات إقليمية توحي بإنضاج التسوية اللبنانية وصولاً الى انتخاب رئيس للجمهورية قريباً. برغم ذلك، أحاطت بقهوجي، فجأة، أوركسترا من السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال والفنانين توهم نفسها بنفسها بأنها تصنع الرئيس، من دون أن يكون قائد الجيش ــ بالضرورة ــ مبالياً لأكثريتهم.
قصّ الوزير السابق الياس المر شريط الاحتفالات بدعوته قائد الجيش ونادر الحريري، مستشار الرئيس سعد الحريري، إلى عشاء في منزله. مقرّبون من المر، المقتنع بأنه كان عراب وصول الرئيس ميشال سليمان إلى بعبدا، يقولون إنه متفرغ بالكامل لشقّ قنوات اتصال لقهوجي مع معنيين بالاستحقاق الرئاسي، داخلياً وخارجياً. الوزير السابق مقتنع، أيضاً، بأنه نجح في تخفيف برودة 14 آذار تجاهه، وفي محاصرة بعض المناخ السلبي الذي تسوقه القوات اللبنانية ضده. وهو مقتنع، بالتالي، بقدرته على توفير تبني قوى 14 آذار ومرجعياتها الاقليمية والدولية لقهوجي، إذا ضمن الأخير تأييد قوى 8 آذار ومرجعياتها . وينسب المر لنفسه ــــ ودائماً بحسب المقربين منه ــــ الفضل في تعريف قائد الجيش على رئيس الديوان الملكي السعودي خالد التويجري، الذي «بات يعتبر قهوجي أفضل المرشحين، لأن علاقته بالسعودية تمر عبره شخصياً، لا بهذا الأمير أو ذاك ممن يعمل التويجري مع الملك منذ عامين على محاصرة نفوذهم»، لكن مقربين من قائد الجيش ينفون كل ما يسوّقه المرّ، جملة وتفصيلاً، مشيرين إلى أن المبالغة في إبراز الدعم السعودي ــــ في حال وجوده ــــ لقهوجي يضره أكثر مما يفيده.
بعد عشاء المر الافتتاحي الذي تلاه عشاء مع البطريرك الماروني، كرت بعد 20 حزيران الدعوات المماثلة.
يتميز قهوجيعن قادة الجيش الذين سبقوه إلى الرئاسة بنفوذه داخل المؤسسة
بعد ساعات من تفجير ضهر البيدر، اعتذر قهوجي عن عدم حضور عشاء دعت إليه السيدة منى الهراوي في البيال. وبعدما دعا إلى «عدم تضخيم الامور، لأن الوضع ليس بهذه الخطورة»، تلقّف الفرصة ميشال غبريال المر، هذه المرة، حاشداً مجموعة من رجال الأعمال والمال والإعلام، رفع قهوجي معنوياتهم، مقدماً مطالعة حول رأيه الأمني والعسكري في المرحلة الجارية وتصوره للفترة المقبلة. بعد يوم واحد، في 24 حزيران، كان العشاء هذه المرة في ضيافة أمين المال في المؤسسة المارونية للانتشار شارل الحاج. هنا أيضاً سبق الحاج الرئيس السابق لجمعية الصناعيين نعمة افرام الذي يسعى الى استلحاق نفسه بعشاء على شرف القائد. وفي 26 حزيران، حط المدعوون عند إدمون شماس عديل المرشح الدائم الى الانتخابات النيابية في المتن الشمالي سركيس سركيس وشريكه في أعماله التجارية. قائمة الطامحين الى استضافة العماد قهوجي تطول وتشمل، مثلاً، غابي تامر ورزق رزق وغيرهما من رجال الأعمال، فيما سبق القنصل أنطوان عقيقي كل هؤلاء وبلغ حداً لا أحد يمكنه المزايدة عليه، عبر إطلاقه على مدخل فيلته في حراجل اسم «شارع القائد جان قهوجي»، إضافة الى رفعه تمثالاً نصفياً لقهوجي وسط حديقة الفيللا!
ويرافق القائد (أو يدّعي مرافقته) في حزء من زياراته ما يشبه «المكتب السياسي» الذي يتألف من:
1) المدير العام (السابق) للبنك اللبناني الكندي محمد حمدون، الصديق الأقرب إلى قهوجي.
2) غسان رزق أحد ممولي قناة «أو تي في» سابقاً، وكان يفترض أن يكون أحد مرشحي قوى 8 آذار في دائرة الكورة، إلا أن خشيته من خوض الانتخابات الفرعية، وتمسك كل من العونيين والمردة والقوميين بمرشح حزبي في هذه الدائرة، وعدم قبولهم مرشحا مشتركا بينهم جميعا، جعله يتمسك بصداقته للقائد كمشروع سياسي أوحد.
3) عهد بارودي، او «بارودة كل العهود» كما وصفه ذات مرة الأستاذ طلال سلمان، هو الأب الروحي للنواب السابقين مخايل الضاهر وإيلي الفرزلي وفارس بويز ومنصور البون، والوزير ميشال فرعون وآخرين، ومموّل غيرهم. وهو وضع معظم صالونات هؤلاء في خدمة وصول القائد.
4) رئيس اتحاد بلديات جبيل فادي مارتينوس، وهو رئيس بلدية قرطبا بلدة النائب السابق فارس سعيد. علماً أن صلة القرابة التي تجمعه بالنائب السابق جان عبيد، لم تحل دون حجزه مكاناً له خلف قهوجي.
5) دافيد عيسى الذي يطمح الى أن يكون أحد أبرز وزراء العهد الجديد ورجالاته.
أما «الهيئة العامة»، فتضم أحمد بلعلبكي مستشار الرئيس نبيه بري، والوزير السابق فايز شكر، وكوكبة فنانين يتقدمهم زين العمر وطوني كيوان وعاصي الحلاني، وتضم أيضاً رجال أعمال آخرين مثل روبير كرم والأخوين براكس ورزق ورزق وجميل بيرم (صديق النائب وليد جنبلاط) الذي كان حتى وقت قريب يدير أعمال بهاء الحريري في بيروت، ورئيسة تحرير إحدى المجلات السياسية، وإعلاميا سابقا في «أو تي في» يدّعي نصح قهوجي في بعض القضايا الإعلامية والسياسية، وترتيب مواعيد تعارفية له مع الإعلاميين. كما انضم إلى قائمة جنود القائد المدنيين الوزيرة السابقة ليلى الصلح.
يتميز العماد قهوجي عن قادة الجيش الذين سبقوه إلى الرئاسة الأولى بنفوذه القوي داخل المؤسسة العسكرية، ورغبة كثير من الضباط بوصوله إلى بعبدا ليصلوا هم أيضاً. فعلياً «حزب العماد» يكبر. والتوصيف الحزبي هنا مجازي، فلا قهوجي أنشأ حزباً فعلاً، ولا الظاهرة جديدة، إذ إن كثيرين من هؤلاء يحيطون بكل من تحوم حوله «شبهة» الوصول الى قصر بعبدا. هؤلاء غالباً ما يتنقلون من باب مرشح إلى آخر بحثاً عمن يضمن مصالحهم. ومعظم من سبق تعدادهم، استقبلوا الرئيس ميشال سليمان، في بداية عهده، بالتطبيل والتزمير والتزلف نفسه.