أصبحت «داعش» اولوية أخرى على اجندة «حزب الله» الى جانب أولوية العدو الاسرائيلي. هي المرة الاولى التي يجمع فيها حزب المقاومة بين أولويتين على طريق النضال والمواجهة العسكرية. كلام السيد نصرالله عن خطر تكفيري وجودي، يعبر عن واقع قائم بعيدا عن أي مبالغة أو تهويل. موقف الحزب من الخطر الداعشي يوازي، من حيث الخطورة والدلالة، رؤيته لسرطانية اسرائيل.
ينطلق خصوم «حزب الله»، المحليون والاقليميون، في رؤيتهم الى كل ما يحيط به من محورية الخصومة معه. الثابت لدى هؤلاء معاداتهم له و الوقوف الى جانب عدوه حتى لو كان هذا العدو على شاكلة الصهاينة والداعشيين. هم يتصورون أن الحزب، في ظل الحراك التكفيري، بات بين فَكَّيْ كماشة «اسرائيل» و«داعش»، حيث يشكل كل منهما خطرا وجوديا على الشيعة عموما والمقاومة على وجه التحديد.
والواقع ان «حزب الله» قد تجاوز خطر اسرائيل الوجودي منذ ان استطاع لجم هذه الأخيرة ودفعها الى الالتزام بقواعد اللعبة. في حرب تموز ارادت اسرائيل القضاء على المقاومة وصولا الى اقتلاع الناس من الجنوب وعدم السماح لهم بالعودة الى بيوتهم. مذ ذاك، أصبح الأمر معكوسا حيث صار الحزب وحلفاؤه يشكلون خطرا وجوديا على اسرائيل. أما في الضفة الثانية، فان كلام السيد نصرالله عن خطر «داعش» الوجودي، انما يتعلق أولا وبالذات، بخريطة المنطقة وشعوبها وأنظمتها ومكوناتها ودولها، ولا يختص بـ«حزب الله» الذي يبقى الاقدر من بين الجميع على حماية بيئته وحلفائه وتحصين ذاته من تداعيات المد الداعشي.
واذا كان خصوم الحزب يراهنون على كون العداوة الداعشية للشيعة لمجرد أنهم شيعيون، حيث لا قواعد أو ضوابط يصار الى الالتزام بها كما هو الحال مع اسرائيل، فإن الشيعة فعليا، وان كانوا أول المطلوبين على اللائحة الداعشية، فهم آخر المستهدفين من حيث الامكانية الفعلية والقدرة على النيل منهم. فالحراك التكفيري عموما لا يتحرك على ضوء النوايا بل على ما يتيسر من مسارات مفتوحة وامكانات. الأضعف امام «داعش» والاقرب اليها هما من تستهدفه أولا، فيما الأقوى على مواجهتها اكثر بعدا عن استهدافها.
يستدعي اصرار بعض اللبنانيين على التواطؤ الضمني مع «داعش» والرهان عليها في سبيل تصفية حساباتهم مع حزب المقاومة، قطع الطريق امام أي استراتيجية وطنية جامعة لمواجهة الخطر التكفيري. يشهد على ذلك معركة عرسال بنتائجها الفضائحية. في مثل هذه الحالة، سيكون الحزب مضطرا لتطبيق استراتيجيته الخاصة في مواجهة التكفيريين كما فعل في حرب تموز. لكن، مع وجود فارق ميداني هو ان اسرائيل التزمت حينذاك بحصر المعركة في الجغرافية الشيعية، بينما لا يمكن لداعش كبح شهيتها عن احتلال جغرافيات كثيرة وإخضاع أهلها، قبل الوصول الى لحظة الاحتدام مع الشيعة و«حزب الله».
لا جدال في القول بأن الزحف الداعشي قادم الى لبنان. فإن اراد بعض اللبنانيين الاستمرار في التخفيف من وطأة «داعش»، او التمهيد لدخولها الى بعض المناطق، فهذا خطأ جسيم، وسيدفعون ثمنه أولاً. عندها، سيلجأ الحزب إلى الدفاع عن نفسه وبيئته وحلفائه. سيكون بامكان التكفيريين مثلا احتلال عرسال مجددا، لكن لن يكون بمقدورهم الاقتراب من رأس بعلبك واللبوة. وقد يكون بامكانهم السيطرة على شبعا وحاصبيا، لكن لن يكون بمقدورهم الاقتراب من مرجعيون وجوارها. وفي حال تمكنهم من اجتياح مناطق في شمال البلاد وتحويلها الى دولة «داعشستان»، عندئذ، فليكلف رئيس الحكومة وزيري العدل والداخلية التفاوض معهم لإخراجهم منها بوساطة أبو طاقية.