لا يكلّ «حزب الله» ولا يملّ من ربط حربه المفترضة على الإرهاب في سوريا بطريقة مباشرة بحماية لبنان من الإرهاب. في تصريح مطوّل يحلّل نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم المشهدية العربية منذ أربعة أعوام وحتى اليوم، ويستخلص منها العِبر «المقاوِمة» وأهمية «الواجب الجهادي» وخطوات الانتقال من الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز من العام 2006 حتى الحرب الإسرائيلية على غزّة في تموز من العام 2014.
إن هو حقق الانتصارات في المعارك في سوريا أم خسر جولاتها، فإن «حزب الله» سيجيّر الحرب بكاملها لمصلحته مستكملاً صولاته وجولاته التي لم يخرج منها حتى اليوم إلا بخسائر بالأرواح يومية وبالجُملة.. ففي صيف العام الماضي حينما «سقطت» القصير، احتفل «حزب الله»، أطلق المفرقعات والرصاص ووزّع البقلاوة على الطرق، جمع بيئته الحاضنة وزرع في لاوعيها بأن الحرب انتهت وبأنه خرج منتصراً وبأن «التبرّع» بشباب الطائفة الشيعية لم يذهب سدىً!
لكن نيات «حزب الله» لم تبقَ مخفية لوقت طويل، فـ«المقاومة» التي تستخدم فلسطين «علّاقة» لتبرير حربها الى جانب النظام السوري ضدّ الشعب، لم تحرّك ساكناً إزاء الحرب الإسرائيلية على غزّة، لأن فتح الجبهات في وجه «حزب الله» واستفزازه واستنزافه لتوسيع رقعة حربه يُظهر مستوى تقهقر صفوفه التي بلغها بعد أربع سنوات من القتال، فيما تعتقد بعض الدول بأن السلاح الإيراني في كل من العراق وغزة يقوم بالمهمة لعدم إلهاء «حزب الله» عن مهمته الأساسية، وهي الدفاع عن بشّار الأسد.
هل بالدفاع عن بشار الأسد يكون «حزب الله» قد «عطّل إمارة داعش في لبنان»؟ إنها وُجهة نظر الشيخ قاسم، فبعد استعادة بعض من التحليلات المدافعة عن غزّة إظهاراً لدعم «حزب الله» للشعب الفلسطيني، ينتقل الى لبنان ليتحدث عن «شموخه وعدم سقوطه». ويستعرض 3 سيناريوات لتبيان ذلك: «الاتّجاه الأول الفتنة الداخلية، والاتّجاه الثاني العدوان الإسرائيلي، والاتجاه الثالث الحركة التكفيرية».. في الفتنة الداخلية، أقلّ ما يُقال بالسلاح غير الشرعي هو أنه محطّ عدم ثقة من كل الأفرقاء في الوطن وتاريخ 7 أيار 2008 شاهد على ذلك.. مَن حينها أشعل الفتنة الداخلية في المناطق السنية غير السلاح؟ وعن العدوان الإسرائيلي في العام 2006، فإن الانتصار الذي تغنّى به «حزب الله» يبدو أنه لم يلقّن إسرائيل درساً يقطع يدها نهائياً عن إطلاق حربها ضدّ الشعوب العربية وحربها على غزّة خير دليل على ذلك.. وأما الحركة التكفيرية، فهي حركة لم تظهر إلا مؤخّراً منذ ما بعد الحرب في سوريا، حيث كانت كل هذه الحركات تنمو بين أحضان النظام السوري، في سوريا المعروفة عبر التاريخ بإيوائها حركات غير شرعية يستخدمها النظام السوري عند حاجته إليها، فاختارت أن تسيطر بنفسها على آبار النفط لتموّل حربها، هذا فضلاً عن أن لظهور تلك الحركات أسباباً دينية لا تختلف عن الأسباب الدينية التي يحكي عنها قاسم «المقاومة على أساس الإسلام والجهاد في سبيل الله تعالى».
وإن كان «حزب الله» لا يثق إلا برئيسه بشّار الأسد، فإن الأخير كذّب في خطاب القسم لولاية ثالثة مدّتها 7 سنوات ما يردّده «حزب الله» عن أهداف حربه في سوريا وادّعائه بأنها «لمنع التكفيريين من الوصول الى لبنان» قائلاً «المقاومة اللبنانية قدّمت الشهداء دفاعاً عن محور المقاومة».. في الواقع لم يكن الشعب اللبناني ينتظر بشار الاسد ليعرف هدف «حزب الله» من حربه، فإن «المقاومة» ادّعت الدفاع عن المقدّسات وعن الشيعة في المناطق الحدودية لتدافع في الواقع عن بشار الأسد ونظامه ومحور الممانعة.. لهذا فقط يموت أبناء الجنوب والبقاع..
وفي وقت أراد قاسم أن يُظهر «حزب الله» بأنه الرئة التي يتنفّس منها لبنان، وضع الحزب في موقف حَرِج يضعه في دائرة السؤال الذي طرحه: «ما معنى تعطيل المجلس النيابي؟». في الواقع إنه المعنى ذاته لكون «حزب الله» هو أحد المعطّلين المسبّبين بعدم انتخاب رئيس للجمهورية حتى اليوم.. ويصعّد: «إذا لم يحصل توافق يعني لا رئيس». فما الذي يجعل إذاً من «حزب الله» حريصاً على عدم دخول التكفيريين الى لبنان كما يدّعي، وما يجعله مهملاً للموقع الماروني الأول في الدولة؟ القصة ليست لغزاً ولا أحجية، إنها مجرّد أفضلية في الولاء والوفاء والقتل والتحريض والتكفير والجهاد.. أليس في حسابات «حزب الله» وخططه وخرائطه وتكتيكاته واستراتيجياته أي احتمال لإمكانية هروب التكفيريين الذين يقاتلهم في سوريا الى لبنان مثلاً؟