IMLebanon

«حزب الله»… من بعدي «الإرهاب»

 

في كل مرة تحاول الدولة اللبنانية بمختلف مؤسساتها الأمنية والرسمية التقدم خطوة الى الأمام، يستغفلها «حزب الله» بإعادتها عشراً الى الوراء. فمشروع الدولة يبدأ بخطوة ومشروع الدويلة يحطّم كل آمال اللبنانيين بوحدة الصف وتوحيد الموقف الرسمي للحكومة بمواجهة الأخطار المحدقة بلبنان والالتفاف حول الوطن وعدم التعويل على الخارج في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المصالح الداخلية والمشاريع التعطيلية.

«حزب الله» لا ينفك يهدد الداخل اللبناني بواسطة الخارج الإيراني عبر الوسيط السوري، من دون أن يعي المخاطر التي يستجلبها لأهل بيته. بات مهووساً بالقتال، مستقتلاً في الدفاع عن حلفائه في سوريا وأسياده في إيران، مستخفّاً بمصير شركائه في الوطن، غير آبهٍ لما يتعرّضون له من تفجيرات وقتل وهدم، كأنه بذلك يشجّع ثقافة الموت على حساب الحياة، لينتصر السلاح على السلام.. كأنه مستسلم لسحر الأسَد الأسوَد.

حينما يتحدّى «حزب الله» الإرهاب، لرفع مستوى إجرامه، واللبنانيون يتحمّلون وزر تهوّره، لا حول لهم ولا قوة غير التمسّك بالدولة ومؤسساتها، والمرحلة التي تلت استشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري أكبر إثبات على ذلك، الدولة كانت ملاذ اللبنانيين الأول والأخير، ولم يفتعلوا حرباً أهلية ولا عمدوا الى «حشر» طرف ثانٍ بينهما… الوضع يختلف في حال الثلاثية، ثلاثية لم تجتمع باسم الله، بل باسم «حزب الله» الذي زرع وترك ثقل الحصاد على اللبنانيين فكان الزوان حصّتهم.

مهما حصل، لا شيء يبدّل موقف «حزب الله» من الحرب الى جانب النظام السوري. فبدل أن يلفلف الحزب الداخل يسعى الى كشفه على كل الداخل والخارج، وماذا لديه ليخسره، في النهاية هو لا يقدّم شيئاً ممّا يملكه، بل يتبرّع بأرواح أبناء لبنانيين. لا الدولة تنهيه عن حربه ولا آلام اللبنانيين قادرة على ثَنْيه.

حتى الإرهاب المميت والمتفشّي كالمرض الخبيث لن يقف في وجه «حزب الله»: «كل إرهابهم أعجز من أن يغيّر موقف «حزب الله» تجاه سوريا»، يقول نائب رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق. التحدّي والتهديد في الواقع أكبر من قدرة لبنان على التحمّل، لا بل قد تحوّل، في مرحلة يُستنزف فيها الحزب، الى خطر يهدّد الحزب نفسه وقياداته وحلفاءه، من دون أن يهزّ له جفن.

هذا التحدّي للإرهاب، غير نابع طبعاً من ثقة «حزب الله» بالدولة ومؤسساتها، فلو كانت هذه الأخيرة محطّ تقدير له، لما انغمس في الحرب السورية رغماً عن الدولة، التي عادة لا تتحدّى الإرهاب بل تضع حدّاً له، تُفشل خططه ولا تنفّذ خطة في مكان تعرف بأنها ستنعكس سلباً على شعبها.

ويعتبر قاووق بأن «الإرهاب التكفيري التدميري وباء على البشرية والإنسانية وشرّ مطلق عابر للحدود». لا شكّ بأن «حزب الله» منزعج من الإرهاب التكفيري والتدميري. فهل يعالج التكفير التدميري بالتدمير التكفيري؟ كل ما يعبر الحدود ليعلن ولاءً خارجياً يصبح دخيلاً على داخل الحدود وخارجها، ويُسقط كل التصريحات والمسايرات التي تصوّره وكأنه معتمد على مؤسسات الدولة لحماية أمن لبنان… وحده الشعب اللبناني الأعزل يتّكل على الدولة وأمنِها ويعاني الويلات جرّاء الدويلة وميليشياتها.

وأكثر من ذلك، إن قاووق يُملي على لبنان، أي الجمهورية، ما يجب عليها القيام به، وهو يعطي بذلك الضوء الأخضر لـ«حزب الله» بأن يستكمل مشروعه الذي يبرّره بالتصدّي للإرهاب: «(..) هذا يفرض على لبنان أن يستكمل مواجهة الإرهاب التكفيري لاستئصال ما تبقّى من بؤر تكفيرية إرهابية». فقط بات تصنيف الإرهاب دينياً، ويستهدف طائفة واحدة، ولأن الحزب يبتعد شيئاً فشيئاً عن الحدود فإن ذلك يحتّم عليه أن يواجه إرهاب «بوكو حرام» في نيجيريا، طالما أنه أوصد الباب في وجه الشعب الفلسطيني وقضيّته في مواجهة اسرائيل، وبات لا يعرّج على فلسطين إلا في تصريحاته وهو لم يفعل أساساً سوى ذلك، فالقضية تتفاقمت منذ القرن الماضي ولم يظهر تأثير «حزب الله» في أي مفصل.

مع ادّعاء «حزب الله» بأنه يقاتل الإرهاب، لم يقدّم أي جديد أو أي تحوّل ذي قيمة. لقد أضاع على نفسه العديد من الفرص مُدَّت له اليد فيها للتعاون في الداخل، لكنّه فضّل الدولة الشمولية الميليشياوية على الدولة الحرّة الديموقراطية، واختار الحرب الطائفية بدل الاستعلاء عن المصالح الخاصة وبلوغ روح من الوطنية الجامعة. سيكون صعباً على «حزب الله» إقناع العالم بأنه يتصدّى للإرهاب عبر خروجه عن الدولة، ومستحيلاً أن يجرّ اللبنانيين الى هوّة تدعم مشروعه، فقد سلك الطريق القصير لمواجهة الدولة: الإرهاب والإرهاب المضادّ.