موقف “حزب الله” من انتخابات رئاسة الجمهورية حيَّر ولا يزال يحيِّر لبنانيين كثيرين وخصوصاً عندما يتناول مؤسس “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون. ذلك أنه يعكس حيناً تمسكاً به مرشحاً فعلياً للرئاسة الأولى على رغم امتناعه عن إعلان ترشيحه رسمياً. وقد ظهر ذلك أكثر من مرة بتعاون نواب “الحزب” ونواب “التيار” لتعطيل نصاب أي جلسة نيابية يدعو إليها الرئيس نبيه بري لانتخاب رئيس، سواء قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان أو بعد ذهابه إلى البيت، ووقوع الرئاسة الأولى في حال من الشغور القانوني والفراغ العملي. وحيناً آخر يقول أعضاء في “الحزب” بعضهم نواب منتخبون وفي تصريحات رسمية أن إنهاء الشغور المذكور في نهاية المطاف لا بد أن يتحقق بتوافق اللبنانيين أو الأطراف السياسيين على رئيس. والتوافق هنا ليس في مصلحة “الجنرال” لأن فريقاً مسيحياً وازناً، في 14 آذار، لا يقبل رئاسته، ولأن فريقاً وسطياً مهماً لا يقبلها أيضاً وفقاً لما أعلن زعيمه. علماً أن هناك من يقول إن عون أربك حليفه “حزب الله” بإصراره ليس على الترشُّح في انتخابات الرئاسة بل على الوصول إلى قصر بعبدا وبأصوات النواب سيِّداً له ورئيساً لدولة لبنان. كما أربكه بالانفتاح الذي بدأه، ومنذ تبوئه وزارة الخارجية وربما قبلها، صهره جبران باسيل أولاً على الولايات المتحدة سواء عبر ديبلوماسييها في لبنان أو بواسطة أصدقاء له في واشنطن.
وثانيها، على زعيم “تيار المستقبل” الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري “حليف” المملكة العربية السعودية التي تعتبر”الحزب” منفّذاً لسياسة “حليفته” الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان وسوريا وفي دول عربية أخرى. ولعل المصدر الأبرز للإرباك كان مبادرة وسائل إعلامية لبنانية وبتسريبات “عونية” إلى تأكيد قبول الإدارة الأميركية عون رئيساً لجمهورية لبنان، وإلى الاستشهاد لإثبات ذلك بأجوبة أعطاها السفير في بيروت ديفيد هيل رداً على أسئلة طٌرِحت عليه في مناسبات اجتماعية عن رئاسة عون للبنان. وكان معظم هذه الأجوبة من نوع “ولِمَ لا؟” وكان أيضاً تسرُّب معلومات في أكثر من وسيلة إعلامية ليس فقط عن لقاء العماد عون والرئيس الحريري في باريس وليس في روما، بل أيضاً عن مباحثات مستمرة بينهما يقودها من جهة العوني الوزير الأبرز باسيل، ومن جهة أخرى المستشار الأول لزعيم المستقبل نادر الحريري الذي شاركه مستشارون آخرون في هذه المهمة. وقد يكون إرباك “الحزب” ازداد قليلاً عندما ثبُت لكثيرين من المتابعين أن الرئيس الحريري جدّي في حواره مع عون وأنه على استعداد لقبوله رئيساً، وان حركته ليست مناورة. وربما أثار ذلك تساؤلات عدة من نوع ما هو المقابل الذي سيطلبه الحريري والمملكة من خلاله؟ وهل يدفعه عون من جيبه أو من جيب حليفه “حزب الله”؟ طبعاً لا تزال الحيرة تقض مضاجع اللبنانيين. لكن “حزب الله” تبدّد ارتباكه، وقريبون منه يؤكدون أن خطوة عون لم تربكه يوماً لأنه كان على اطلاع منه على مجرياتها وربما قبل اتخاذه قراراً بالسير فيها. وأسباب التبدّد كثيرة. منها حصوله على معلومات تفيد أن أميركا لم تقل يوماً سواء بلسان ديبلوماسييها في لبنان أو مسؤوليها في واشنطن أنها مع ترئيس عون لبنان أو غيره. ذلك أن الانتخابات هي مهمة اللبنانيين وحدهم. وتفيد أيضاً أن أميركا لفتت “العونيين” إلى ضرورة الدقة في “التسريب الإعلامي” كي لا يضطر ممثلوها ومسؤولوها إلى النفي الرسمي. وفي ذلك ضرر أكيد لـ”الجنرال”.
ومن الأسباب ايضاً حصول “الحزب” على معلومات تفيد أن القرار النهائي في الموضوع الرئاسي اللبناني ليس للرئيس الحريري بل لـ”حليفته” السعودية، وأن الأخيرة ليست في وارد إيصال عون إلى قصر بعبدا لأسباب كثيرة معروفة. ومن هذه المعلومات أن قطبيْن لبنانييْن مهميْن جداً لا يحبِّذان رئاسة عون للبلاد تشاورا حول كيفية مواجهة ذلك، وأن مندوباً لأحدهما زار المملكة والتقى الحريري الذي اظهر تمسكاً به على رغم سماعه من زائره أن عون الرئيس سيفعل به ما فعله الرئيس اميل لحود بوالده الشهيد. ثم زارها ثانية والتقى مسؤولاً رسمياً فيها وكان جوابه صريحاً وهو “أن “الجنرال” لن يُنتخب رئيساً ولكن لا مصلحة في إعلان ذلك الآن”.
طبعاً لا يزال الشغور الرئاسي قائماً والصراع بين “الجنرال” وأخصامه محتدماً، ولا يزال “حزب الله ” داعماً حليفه العوني.
فهل يجد هذا الوضع الصعب حلاً له قريباً؟ وما هي بدائل غياب الحل عند عون؟