يخوض «حزب الله» استحقاقَ الرئاسة كواحدةٍ من معاركه العسكرية، بأسلوب الأرض المحروقة: يُحرِق الأسماء والمراحل والمُهَل والرئاسة والرئيس… ويزرع الفراغ، ويجلس قربَه منتظراً الظلَّ وجنيَ الثمار!
مبدئياً، الفراغ يهرول نحو القصر، على رغم الهمس الذي تجَدَّد قبل أيام، ومفادُه: إنتظِروا مفاجأة قبل
25 أيار. هناك رئيس جديد للجمهورية، والرئيس سعد الحريري على وشك العودة.
وبات مؤكّداً أنّ «حزب الله» لا يريد الانتخابات حاليّاً حتى لو كان قادراً على إيصال مرشّحه. فـ»كلمة السرّ» الإقليمية هي الفراغ، ثمّ أخذُ الإستحقاقات الساخنة كلّها في سلّة واحدة: الرئاسة والحكومة والمجلس النيابي، وربّما إعادة خلط الأوراق في «المؤتمر التأسيسي».
«خبيصةٌ» بعد 25 أيّار. لا رئيس للجمهورية. و»14 آذار» ستردُّ على تعطيل الإنتخابات بتعطيل الدور التشريعي للمجلس في غياب الرئيس، فيتوقّف النقاش حول السلسلة وسائر الملفّات الاجتماعية الساخنة. وأمّا الحكومة التي ورثت مجتمِعةً صلاحيات الرئيس فستكون عاجزة عن فتح دورة إستثنائية للمجلس النيابي، بعد انتهاء الدورة العادية في 31 الجاري. وجلسة 27 أيّار ربّما تواجه خطرَ التعطيل.
ومع الإرباكِ الدستوري وفشلِ إنتخاب رئيس، سيحين موعد الترشيحات للإنتخابات النيابية، في 18 آب، بلا اتّفاق على قانون الانتخابات، وستتجدَّد المعارضة المسيحية لقانون 1960. وسينشأ جَدل بيزنطي على كثير من الأدوار التي ورثتها الحكومة من الرئاسة، في ظلّ غموض البنود الدستورية.
وهذه المعطيات تؤشّر إلى صيف ملتهب دستورياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وربّما أمنيّاً… إذا تعثَّر التوافق الإقليمي، أو إذا ارتأى بعض الأطراف توجيه رسائله عبر الساحة اللبنانية مجدّداً، كما كان الأمر قبل الاتّفاق على حكومة الرئيس تمّام سلام. وللتذكير، قبل أيام من الاتفاق، كانت طرابلس والبقاع، ومناطق أخرى بدرجة أقلّ، تعاني حرباً حقيقية لا توفِّر حتى السلاحَ الانتحاري.
ففي هذه الحال، مَن يَضمن عدم انفجار الأمن مُجدّداً، وسط الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟
إذا حصل الانفجار، ستكون الأزمة بلغَت الذروة «المطلوبة». وسيضطرّ الجميع آنذاك للجلوس إلى الطاولة، بغطاءٍ إقليميّ ودولي لعقد صفقة جديدة. وفي الحدّ الأدنى، ستكون هناك «نيو دوحة»، أو ربّما «نيو طائف». ولكن، ستُتاح الفرصة لما هو أوسع من الدوحة وأكثر جَذرية من الطائف، أي لـ»المؤتمر التأسيسي».
في هذه الأجواء، ستكون ورقة الفراغ التي يمتلكها «حزب الله» قد بلغَت سعرَها الأقصى. فالجميع يتحرَّق لانتخاب رئيس يكرِّس الاستقرار، ومفتاح هذا الانتخاب في جيب «الحزب» لا سواه. وعندئذٍ، يستطيع تمرير الإسم الذي يُخبّئه حتى اليوم، والذي سيكون خياره الحقيقي، بعدما تخلَّص من الأسماء الأخرى في مهلة الشهرين الدستورية.
وفي عملية اختزال، يمكن استنتاج ما يأتي: سيحترق مرشّحا «14 و8 آذار» الحاليّان، الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون، ومعهما سائر المرشّحين رسميّاً أو ضمنيّاً من الفريقين. أمّا الأسماء الوسطية، القريبة في نِسَبٍ متفاوتة من بكركي، فبعضُها يعاني من النقص في التغطية السياسية، المسيحية وغير المسيحية. ويبقى هناك إسمان يمكن أن يشكّلا نقطة وسطى بين الجميع، ولا يثيران استفزاز المسيحيّين، وهما: الدكتور رياض سلامة والعماد جان قهوجي. والظروف هي الكفيلة بتغليب الأفضلية: المال أم الأمن؟ فالمرحلة مليئة بالتحدّيات الاقتصادية، لكنّها تهتزُّ بشكلٍ خاص تحت عوامل التفجير الأمني.
هل الاستحقاق الرئاسي في صدد الدخول زمنَ المساومات الكبرى، بالتواصل السعودي – الإيراني؟ وهل القرار السعودي بفَكِّ الحظر عن لبنان يُعبِّر عن تسوية آتية؟
الأرجح أنّ التسوية ستأتي، ولكنّ النار التي تُنضجها ليست كافية حتى الآن. والإيراني هو اللاعب الأكثر براعةً بعامل الوقت. وفي أيّ حال، التسوية بعيدة عن الصورة المرسومة لها لدى بعض الدوائر. فهي، عندما تُنجَز، ستمرُّ ولن ترى عون في طريقها. وسترسو على إسمٍ يخبِّئه «الحزب» و»ينام عليه»، في منأى عن محرقة الأسماء المشتعلة.