أتمّ “حزب الله” مهمّته في حماية الحدود اللبنانية وتحرير القرى السورية المتاخمة للقرى البقاعية، حيث له جمهور واسع، من المسلحين الاصوليين، وتعاون مع الجيش اللبناني وسائر القوى الامنية في ضبط المعابر الشرعية وغير الشرعية، مما خفّف وتيرة، او ألغى التفجيرات المتنقلة التي أصابت جمهور الحزب تحديداً في أكثر من منطقة من لبنان.
أمّا حماية المقدّسات فلم تعد حجّة مقنعة لأحد للقتال في سوريا، إذ ثمّة مقدّسات أيضاً في فلسطين وقد وقعت تحت الاحتلال منذ زمن بعيد، ولم يحرّك أحد ساكناً. مبرّر القتال صار واهناً، خصوصاً مع بدء مجموعات من المسلحين الاصوليين والتكفيريين الانسحاب من مدن سورية تمهيداً لمغادرتها البلاد، إن أمكنها ذلك، ربما بتأثير القرار السعودي الذي حظّر على كل مواطن سعودي المشاركة في الحرب السورية، وهو قرار ينعكس بالطبع على كل رعايا الدول الخليجية. يضاف الى ذلك تراجع عدد كبير من الدول الغربية عن تسليح المعارضة السورية لأن وفق الناطق باسم الخارجية الاميركية، التمويل وتسليح المعارضة لا يساهمان في الحلّ.
هكذا يبدو أن الحلّ بدأ يسلك طريقه وإن بخطوات بطيئة تحتاج الى سنين معدودة ومؤتمرات ولقاءات، والأهم متغيّرات على أرض الواقع، وفي نظام الحكم، وآليات المشاركة الفاعلة، وما اليها.
وسيؤدي تقدم الجيش السوري النظامي على أكثر من جبهة الى تخفيف الاتكال، أو تقليص الاستعانة بالمقاتلين الاجانب الموالين للنظام، ومنهم مقاتلون شيعة من ايران والعراق وغيرهما، اضافة الى عناصر”حزب الله” اللبناني الذي دفع حتى الآن اثماناً باهظة في الداخل السوري، وبات على أهبة اعادة مقاتليه الى وطنهم.
صحيح أن قرار “حزب الله” لا يرتبط فقط بالداخل اللبناني، بل بالمصالح الاقليمية الاستراتيجية لايران وبمفاوضاتها الجارية مع الادارة الاميركية، وبحسابات أخرى معقدة، لكن الأكيد أيضاً ان للحزب هامشاً من الحرية، إن لم يكن في اتخاذ القرار في شكل منفرد، فعلى الأقل في توقيت اعلانه.
وإذا كان القرار بالانسحاب قد اتخذ، وفق مصادر سياسية وأمنية، او صار على قاب قوسين، واذا كان المطلوب من العماد ميشال عون ان ينتزع من الحزب تعهداً بالانسحاب والتوقف عن المشاركة في القتال السوري في مقابل دعم فرص وصوله الى قصر بعبدا رئيساً للجمهورية، فإن توقيت الاعلان عن القرار سيكون شأناً لبنانياً وسيكون مرهوناً بالافصاح عن الطلب اذا ما تقدمت حركة التواصل ما بين “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”. والاعلان عنه في ذاته سيكون ترجمة لتقدم حركة الاتصالات الخارجية، وسيشكل ورقة رابحة يفيد منها الخارج والداخل على السواء، فهو أولاً يريح الوضع اللبناني برمّته، ويخفّف الأثقال عن كاهل الحزب، ويسقط الحجج من داعمي المسلحين في سوريا ومموليهم، ويدفع بالاستحقاق الرئاسي قدماً.