أضحت بلدة الطفيل محتلة اليوم من قبل الجيش السوري، بفضل الجهود التي بذلها «حزب الله» من أجل تهجير أهلها وتدمير منازلها وتمركز قواته العسكرية فيها، إذ استجلب إلى الأراضي اللبنانية من جديد احتلالاً جديداً ويبدو أنه يسعى إلى ما هو أكثر من ذلك، إلى توسيع انتشاره على الحدود اللبنانية السورية من الجانب السوري لحماية بشار الأسد وقصر الشعب في دمشق من السقوط كونه أصبح بإمكانه نصب صواريخه في أعلى نقطة والتي نشرها بالأمس في بلدة الطفيل ووجهها نحو دمشق استعداداً لضرب محاولات الجيش الحر أو غيره من القوى التي تقاتل النظام التقدم أو تحقيق انتصارات عسكرية، طالما أراد هو الفوز في سوريا والخسارة في لبنان.
العارفون بأمور الحال في المنطقة يشيرون إلى أن «حزب الله» يسعى إلى تهجير أهالي معربون أيضاً وتحويل البلدة إلى ثكنة عسكرية لقواته وقوات الأسد، في محاولة للقضاء على مقاومة الثوار في القلمون الذين عملوا خلال الشهر الأخير على تنظيم أنفسهم وضرب مواقع «حزب الله» ورصد تحركاته في الداخل السوري عبر عمليات عسكرية خاطفة أوقعت أكثر من 100 قتيل في صفوف ميليشياته الغازية.
كل ما قام به أهالي الطفيل من أجل فك الحصار عنهم، وكل ما وعدوا به من قبل ذهب أدراج الرياح، إذ تمكنت الحكومة من تمرير بعض المساعدات الغذائية والإنسانية إلا أنها لم تدخل أمنياً إلى البلدة ولم تقم بواجب الدفاع عنها، عندها سهّل الحزب سيطرة النظام السوري عليها وطرد أهلها اللبنانيين والعائلات السورية النازحة إليها من بلدات القلمون بحجة إيواء عناصر متطرفة تكفيرية سورية تعمل على إدخال السيارات المفخخة إلى لبنان. وزارة الخارجية غابت عن السمع ولم تتحرك باتجاه مجلس الأمن من أجل إثارة موضوع احتلال الطفيل وخطر احتلال معربون وربما لاحقاً غيرها. وتتزايد الشكوك حول ما إذا كانت نيته إقامة حزام أمني حدودي على الطريقة الإسرائيلية مثل الذي أقيم في الجنوب، محاولة علنية لاستدراج «داعش» الفتنة المذهبية إلى لبنان ووضع البلاد في مهب الرياح العراقية العاصفة.
أبعاد خطوة «حزب الله» كبيرة، فمَن سيضمن المحافظة على لبنانية البلدة التي لا بد من إيجاد طريق إليها من الأراضي اللبنانية، طريق يعرف كيف يسلكه الجيش اللبناني إليها لينتشر داخلها ويعيد سلطة الدولة اللبنانية عليها ليتم الاحتفاظ بحق الأهالي في أرضهم وبيوتهم وممتلكاتهم وأرزاقهم وألا تصبح الطفيل ومن بعدها معربون كما مزارع شبعا.
يقول أحد سكان البلدة الذي تهجّر إلى عرسال وفضل عدم ذكر اسمه، أن «الطفيل سقطت منذ خمسة أيام بيد حزب الله، وهو نصب صواريخه في المنطقة، واستقرت قواته في عدد من المنازل وقيادته تواجدت داخل منزل عبدالناصر دقو، ولم يعد يتواجد داخل البلدة سوى سبعة أشخاص من أصل 4200 شخص تم تركهم هناك، بعد اتصالات أجريناها مع مختار بلدة عرسال الذي طلب إبقاء عدد من الأهالي في البلدة، مثل «النواطير» حتى لا تتم عمليات سرقة أو تفجير لمنازل أو غيرها من الممارسات الانتقامية من قِبَل قوات النظام أو مقاتلي الحزب».
ويوضح «نحن نتواصل حالياً مع هؤلاء بشكل دائم، وقد علمنا أنه استقدمت بالأمس راجمات صواريخ تم نشرها في محيط حارة منزلنا وقصفوا منها جرود عرسال».
ويضيف: «لقد تفهمنا أن يدافع الأمين العام للحزب حسن نصرالله عن المقامات الشيعية ولكن لا يوجد مقامات شيعية في الطفيل، ثم قال إنه يريد أن يدافع عن اللبنانيين في سوريا، ولكن تبين لنا أن أهل الطفيل الذين هجرهم هم بالنسبة إليه يهود وليسوا لبنانيين».
ويلفت الى أنه «قبل يومين من اجتياح الطفيل تم فتح طريق من قِبَل «حزب الله»، إذ هجّر عدد من الأهالي عبر هذا الطريق نحو عسال الورد وحوش عرب، أما القسم الآخر والمغضوب عليهم في سوريا فقد تهجروا الى عرسال عبر الطرق الجردية ثم توزعت العائلات في بعلبك والأوزاعي وعرمون وغيرها من المناطق حيث لجأوا الى منازل أقاربهم هناك، وبقي في عرسال 48 عائلة من أصول سورية وأقارب للبنانيين من سكان بلدة الطفيل و7 عائلات لبنانية أيضاً، بالأمس وعُدنا من قِبَل هيئة الإغاثة بإقامة مخيم لنا في عرسال وهو خاص بعائلات الطفيل ولا علاقة له بالنازحين السوريين، وكانت هناك فكرة من أجل استئجار منازل أو فتح المدارس لإقامة العائلات اللبنانية، إلا أننا رفضنا هذا الحل لا نريد الإقامة في المدارس والتشتت، نريد أن نبقى معاً كعائلات عرسال، هناك 3 عائلات استأجرت منازل في عرسال من العائلات اللبنانية، أما البقية فيعيشون في الطرق».
ويشير الى حصول تواصل مع مرجعيات سياسية ودينية من قِبَل الأهالي لكن ليس هناك شيء ملموس.
ويأسف «لأن معظم الاتصالات لم تكن تركز على إعادتنا الى الطفيل مع أن هذا الأمر هو الأساس ولكن نحن سنبقى نحاول إثارة القضية حتى نعود الى البلدة، ويبدو أن لا أحد يستطيع أن يمون على «حزب الله» لإعادتنا الى بلدتنا، والكل يؤكد أنه غير قادر على التأثير في قرار الحزب، الظاهر أن لا أحد يستطيع أن يفعل شيئاً، مشيراً الى أنه عندما غادر الأهالي لدى دخول «حزب الله» استشهد سوريان على الطريق نتيجة القصف أحدهم من حوش عرب والآخر من الطفيل نتيجة القصف المجنون الذي حصل على البلدة.
ويقول أحد المسؤولين المتابعين لأوضاع البلدة إن «الطفيل صارت بلدة محتلة من حزب الله، والنظام السوري، وقد خلت من سكانها بشكل نهائي، وقد عمد الطرفان الى نشر قواعد صواريخ بين منازلها بعد أن تم تدمير عدد من المنازل التي اتهمت بأنها أوت إرهابيين. كما جرى تدمير شبكة المياه والخزان الوحيد الذي يغذي البلدة وبئر الماء الارتوازي الذي يروي البلدة، ووفق إحصاء أجريناه خرجت 125 عائلة من البلدة، مع العلم أن ثلثي سكان البلدة هم لبنانيون والثلث سوريون من سكان الطفيل بعضهم لديه جنسية لبنانية، البعض لاقى صعوبات في الوصول الى عرسال، حيث بناء لاقتراح وزير الداخلية نهاد المشنوق بدأ أمس إقامة مخيم للعائلات التي تهجرت الى عرسال».
ويجد أنه في الوقت الحالي خلال هذا الصيف من الصعوبة عودة الأهالي إلى البلدة، نتيجة ممارسات «حزب الله» حتى انه يمكن القول إن قوات النظام كانت تسهل انتقال الأهالي لا سيما النساء للحصول على المواد الغذائية على حواجزها من رنكوس وعسال الورد أكثر من قوات حزب الله التي كانت تتواجد عند الجبل الغربي من السلسلة الشرقية بالاتجاه اللبناني، حيث كان مقاتلوه يمنعون كل السيارات والأفراد من العبور وكانوا يقابلونه بإطلاق نار مباشر في أحيان كثيرة، لقد كان وضع الأهالي المحاصرين من الجهتين مأسوياً وهذا الضغط على أهل الطفيل كان بهدف تهجيرهم وشد الخناق عليهم من أجل إخلاء البلدة كونها نقطة عسكرية متقدمة ضمن الأراضي اللبنانية وتؤمن للحزب تغطية نارية حتى دمشق وهي نقطة استراتيجية، وقد تم فتح الطرق وإزالة السواتر الترابية من أجل إجلاء العائلات بقرار منسق بين قوات النظام وحزب الله.
ويجد أنه «إذا لم ينجلِ وضع القلمون لصالح أحد الطرفين فلن يستطيع أهل البلدة العودة ولا يوجد ضمانات لهم لا من النظام السوري ولا من حزب الله ولا حتى من الجيش اللبناني والدولة لأن الأمور انهارت بشكل نهائي».
ويشير إلى الأضرار التي حصلت في البلدة، إذ أن ثلث المنازل تدمر بشكل نهائي، ولحقت بالباقي أضرار جزئية. أما المزروعات والمواسم فلم يكن الأهالي قادرين على قطافها لا سيما موسم الكرز وقد كانوا يعيشون على المساعدات الغذائية، أما الموظفون والأساتذة وكذلك عناصر الجيش وقوى الأمن فقد انتقلوا من البلدة».
ويوضح أنه «تم رفع كتاب بما جرى لوزير الداخلية ونتواصل مع منظمات إنسانية من أجل تأمين مساعدات وهناك توجه لإجراء اتصالات مع قيادة الجيش ودار الفتوى لتحريك قضية البلدة والمطالبة بنشر الجيش ووضع نقاط عسكرية في حال أراد الأهالي التوجه لتفقد ممتلكاتهم في البلدة ويبدو أن لا حل في الأفق القريب».
ويشير إلى أن «الوضع في الطفيل انعكس سلباً على بلدة معربون اللبنانية الواقعة على الحدود وقد قام حزب الله بمداهمات فيها بحجة أن الإرهابيين الذين كانوا في الطفيل انتقلوا إلى معربون وجرت عمليات كسر وخلع ونشروا حواجز ودققوا في هويات الأهالي لتجميع المعلومات حولهم»، مشيراً إلى أن عدد سكان البلدة يبلغ 4500 نسمة والأهالي متخوفون من الضغوط عليهم لإخلاء البلدة لكنهم يرفضون المغادرة وترك أراضيهم رغم المضايقات التي تحصل».
ويكشف عضو كتلة «المستقبل» النائب عاصم عراجي أنه سيطرح مع وزير الداخلية هذا الموضوع في لقاء سيتم غداً الجمعة و«لكن لا بد من إثارة هذا الموضوع في الحكومة اللبنانية. وأنا كنائب عن البقاع أتواصل مع مختلف الفعاليات لمعالجة الموضوع فما حصل مؤسف جداً، فتهجير أهالي البلدة اللبنانيين على يد طرف لبناني أمر صعب تقبله، وكان على الأجهزة الأمنية التحرك لحماية الأهالي الذين ينتمون إلى طوائف عديدة وكان على الجيش أن ينشر قواته لحماية الأهالي وليس انتشار قوات حزب الله ومن ورائه جيش النظام السوري. وأنا كلبناني لن أقبل بحماية حزب ما بل بحماية الدولة اللبنانية».
وأسف «لعدم تحرك حكومة المصلحة الوطنية في هذا الملف لأن لا مصلحة وطنية في تهجير عائلات لبنانية من قراها وهو أمر غير مقبول نهائياً». ويجد أن «الحل بانسحاب حزب الله من البلدة وانتشار الجيش اللبناني فيها وإعادة الأهالي إليها وردع الحزب عن ممارساته الإرهابية بحق الأهالي من تفتيش وتحقيقات لأن مسؤولية الجيش والقوى الأمنية تأمين تحركات الناس بحرية فهذه ليست مسؤولية حزب الله».
ويؤكد أهمية تحرك وزارة الخارجية باتجاه مجلس الأمن لمنع جيش الأسد من التواجد في أراض لبنانية، ولا يجوز إبقاء حالة التعتيم الإعلامية على الوضع في الطفيل وإنما فضح ما يجري لا سيما وأن هناك تشويهاً إعلامياً مقصوداً من قبل البعض لا بد من مواجهته، فتواجد حزب الله في الطفيل كونها بلدة ذات أكثرية سنية أو تهديد معربون أو غيرها، يذكي الفتنة وإذا كانت مرفوضة فعلياً فيجب التصرّف على هذا الأساس».