IMLebanon

حزب سليماني «يُحاكٍمُ» الجيشَ اللبناني!

 

 

جاؤوا من سوريا إلى لبنان، كما ذهب حزب الله من لبنان إلى سوريا. ربما بالطرق نفسها. والعقول نفسها والهواجس نفسها. فلو لم يذهب حزب «محتشمي» تحت يافطة مذهبية للدفاع عن النظام المذهبي، لما جاء من جاء من «تكفيريين» و»داعشيين» إلى عرسال، وخطفوا أفراداً من قوى الأمن والجيش اللبناني.

هذه هي النقطة التي يحاول «مياومو» الحزب ومرتزقته أن يطمسوها، وليقنعوا اللبنانيين بأنهم ذهبوا للقتال (أقصد لقتل الشعب السوري) ليمنعوا هؤلاء من اختراق لبنان. والواقع إنّ من جاء إلى عرسال (وقبلها بتفجيراته إلى الضاحية) انما جاء أثناء انخراطهم المسلح والدموي في الحرب القائمة بين النظام البعثي والشعب العربي السوري.

منطق «سفسطائي» لكن صبياني، لكي نقول إنه من فرط غبائه، يستغبي اللبنانيين والبيئة المحضونة قسراً من الحزب. منطق الصبية يقبله الصبية! وقد حذر كثيرون حزب «محتشمي» العدول عن «نزهته» المذهبية بزاده وعتاده الإيراني، إلى أرض عربية، ونبهّوه إلى أنه سيستجلب الأزمة السورية وصراعاتها إلى لبنان، وتالياً سيفتح الحدود التي سلكها بسلاحه إلى القصير، والقلمون ليدخل سواه منها إلى عرسال وغير عرسال. فالطرق سالكة في اتجاهين وثلاثة ومئة.. هذا كان يعرفه الحزب (ولو كنا قد نسمع مستقبلاً من يصرح بـ»لو كنت أدري»! أما كيف ذهب الحزب إلى سوريا ولم يعد حتى الآن وعادت بدلاً منه جثث الشبان الشيعة في نعوش، فهذا أمرٌ معروف. تماماً كما غزا بيروت والجبل من دون «استئذان» أحد، اللّهم النظام السوري، وولاية الفقيه. ولم يحاسب أحدٌ هذا الحزب. لا عن جرائمه التي ارتكبها في 7 أيار ولا عن احراقه وسائل اعلام منها جريدة «المستقبل» وتلفزيون «المستقبل».. ولا عن انتهاكه الحرمات. السبيل الاستباحي مسموح له ولا أحد حاسبه عن نتائج حرب تموز وويلاتها على لبنان. لم يسأله أحد كيف يكون قد انتصر على اسرائيل بتكبيدها 78 قتيلاً في الوقت الذي سقط من اللبنانيين قرابة 3430 بين قتيل وجريح في حرب تموز . حزب لا يسأل أحداً ولا يريد ان يسأله أحدٌ. هو مرشد نفسه. ومرشد الآخرين. بالسلاح طبعاً. والغريب انه لم يُساءَل مثلاً كيف يزعم ان «سلاحه» الإيراني ما زال جاهزاً لمحاربة العدو بينما كان الجولان المحتل على بعد خطوات منه: «اسرائيل ليست أولوية الآن» وكأن مقاومة اسرائيل هي «موسمية» كموسم السياحة في لبنان، أو كعيد النيروز في ايران.

والأغرب أن حزب «المقاومة» الذي يحتل جزءاً من الأراضي السورية، وينكل بشعبها، لم يتدخل ولو برصاصة واحدة ضد العدو الاسرائيلي الذي كان وعلى امتداد أسابيع، يدمر غزة، ويُهجّر أهلها ويثكل أطفالها ونساءها (2200) قتيل، باعتبار أنه لا يريد أن يُحرج «الفلسطينيين» بتدخله. صارت محاربة العدو في فلسطين المحتلة وغزة «احراجاً». واكتفى بالتصفيق والزمير والاغتباط (الظاهري) بما سمي انتصاراً في غزة. شيء مريب حقاً، أترى طمأن حزب الله اسرائيل بعدم «إحراجها» في حربها على غزة ، كما طمأنته بعدم احراجه عندما ذهب للدفاع عن النظام السوري؟ طمأنة متبادلة. طمأنة «الأعدقاء» (على قولة إميل حبيبي، أو «شيلني أشيلك» على قولة المصريين والفيلم المشهور بهذا العنوان. لم يسأل «العروبيون» و»القومجيون» وعبيد الطغاة (باسم القومية العربية من صحافيين واعلاميين وسياسيين) أين انت يا «حزباه»! على وقع «وامعتصماه». أنجدْ أخاك الفلسطيني ظالماً أو مظلوماً (على قولة القبائل العربية) أو دافع عن المقامات المقدسة في فلسطين، التي يستبيحها العدو. المقامات المذهبية (الدينية) تستحق خوض حرب لحمايتها في سوريا، وحمايتها ممن؟ من السّنة الذين بنوها وحموها أكثر من ألف عام! تُركت غزة وحدها تواجه الطغيان الصهيوني والطنين الإعلامي للحزب ورنينه وأجراسه تدق وتعزف ألحان التضامن مع أهل غزة! وأفلت الحزبُ مرتزقتَه على وسائل الاعلام، ليبشروا بانتصار حماس في غزة، في حدود الشاشات التلفزيونية والاذاعية والصحافية والخطابات. والله خُطبكم هي التي حققت النصر على العدو الاسرائيلي! فما أجمل بلاغتكم وما أفصح لسانكم، وما أنبل مشاعركم. وكأنكم تقولون إذا كنا نحن المقاومين لم نقترب من الجولان ونحن في جواره، أتريدون أن نقترب ونحارب اسرائيل في فلسطين. في سوريا «الأولوية» للدفاع عن النظام. وفي غزة الأولوية لمن؟ كأن تقول ألسنة أحوالهم وبلبالهم أتريدوننا أن نترك حزب البعث المبارك في سوريا (والملعون في العراق) يسقط وهو المجد للممانعة و»دول الطوق» حليفة المقاومة: أنترك نصفنا الممانع نحن المقاومة لنحارب في الجولان أو في غزة، على حساب نصفنا المقاوم: لا! إذاً، فلنحتفل بانتصار «حماس« علناً ونلعنها سراً. فبعض الصحف الممانعة صرخت هتف هاتفها «تعلموا المقاومة!» طبعاً لا يقصدوننا. يقول الحزب في سريرته. فنحن علمناهم المواجهة بصمتنا وحيادنا. كيف تكون المقاومة السلبية في غزة ايجابية، وكيف تكون المقاومة الإيجابية (مع النظام) فعالة. رائع! لكن كل هذه المساءلات المحرجة، يمكن أن تعلل وتفهم من خلال «التفاهمات» الخلفية، و»السريرية» بين أميركا واسرائيل وايران. «اسرائيل مش وقتها هلق»! خصوصاً بعدما اطلت داعش واجتاحت ما اجتاحت من العراق وسوريا…. غزة عندها مقاتلوها! فما لقيصر لقيصر وما لله لله!

لاسرائيل غزة، وغزة لمحاربتها، لكن إيران اليوم في أشد الحاجة إلى من يرفع «سقوطها» المُدوي في العراق (وقريباً في سوريا). إذاً «واوباماه!» . أنجدنا! نتوسل إليك بدموعنا تدخّل لدعمنا! فداعش إرهابية. (ونحن معتدلون بسلاحنا المشهور في سوريا ولبنان)، داعش تكفيرية (ونحن المتسامحون في كل مكان). أنجدنا يا أوباما: فلننسّقْ معاً في سوريا والعراق (ليس في لبنان طبعاً) كما فعلنا في الأيام الخوالي عندما اسقطنا معاً وبتناكب الجهود الأخوية النظام السني في العراق. ونتذكر هنا كيف كانت تهطل على اللبنانيين نصائح الحزب بعدم «الرهان على الشر الأكبر أي اميركا» وبعدم الرهان على التدخل الأوروبي والأميركي في سوريا، لأن ذلك من شأنه ان يمس «السيادة السورية» (وجودكم يا حزب الله هو طعن لسيادة الشعب السوري). وعندما طالب معظم اللبنانيين بانتشار الجيش اللبناني واليونيفيل على الحدود الشمالية الشرقية، هب الحزب وانتفض وانفرقعت نبراته «هذا ضد سيادة لبنان» اتركوا الحدود لنا: ندخل منها ويدخل منها من يشاء لنقل الصراع إلى قلب الجمهورية! وها هو النظام السوري وهو أصل البلاء يعرض تنسيقاً مع القوات الأميركية لمحاربة داعش على أرضه. لكن بشرط رائع «عدم مس السيادة السورية» أي تنسيق جوي (وربما بعدها بري وبحري) لكي لا نخطئ ونصيب لا سمح الله طائرة أميركية تقصف وتساعد النظام على انقاذ نفسه. التدخل الأميركي ووراءه اسرائيل، ممنوع في بداية الثورة السلمية وبعد القصف بالكيماوي والآن مطلوب! وبإلحاح وبإصرار وبتفجع وتأوهات ونتف شعور أرجل ومناخير. وها هو الحزب الذي يرفض أن تكون الدولة اللبنانية مرجعية لسلاحه، يقبل بأن تحوم فوقه في «قلب العروبة النابض« الطائرات الأميركية بحيث يؤدي التنسيق بينهما إلى الخضوع للمرجعية الأميركية ممزوجة بالخضوع للمرجعية الإيرانية شيء أغرب من الخيال؟ لا! بل أدنى من الواقع. ولتغطية نداءات استغاثة إيران والنظام السوري (ووراءهما الحزب المنيف الحنيف العفيف) يريدون أن يحولوا الأنظار بطريقة مضحكة، ثلاثية الشعب، الجيش، المقاومة، «ما زالت قائمة». ومتمسكون بها (قالها السيد حسن نصرالله). لكن ماذا فعل الجيش هذه المرة بالثلاثية وقبله ماذا فعلت أكثرية الشعب اللبناني: لا ثلاثية، لا ثنائية، بل وحدانية! وحدانية الجيش في حمل السلاح وليوجهوا الانظار والأسماع والشميم عن مسؤوليتهم في استدراج داعش والنصرة و»التكفيريين» والارهابيين إلى لبنان، وما نتج عن ذلك أخيراً في عرسال من أسر عدد من أفراد الجيش وقوى الأمن، فقد علقوا «إبرتهم» هذه المرة وتساؤلاتهم بل ومطالبتهم (عبر ألسنتهم الاعلامية). بإجراء تحقيق حول ما جرى في عرسال وكأنهم يحملون الجيش المسؤولية! رائع! فمن «الجيش خط أحمر» كانوا يكررونها كالصدى، وممنوع انتقاد الجيش. وكل من ينتقد الجيش يخدم اسرائيل… من كل هذه المعزوفة الكذوب اصلاً، التي تختزل نواياهم السود، ضد الجيش واحتمال تقويته، ها هم يفلتون صبيانهم الاعلاميين، وحتى «مشايخ» الصحافة العروبيين سابقاً للتصويب على الجيش. «الجيش مُقصّر!» من «هَرَّب المسلحين» نريد تحقيقاً ومن حتى تواطأ من الجيش معهم لأخذ الأسرى! وبما انهم يؤمنون بالدولة (هم ومرتزقتهم) فها هو يطالبون بمحاكمة الجيش اللبناني! اسقطوا كل الأقنعة عن وجوههم. وأزالوا المساحيق، وانتفضوا سافري الوجوه والجلود والبراثن (هاجموا سابقاً من وجه بعض الانتقادات للجيش بممارساته في عبرا، صارخين بانيابهم: أن يكون هذا الجيش وراءنا أو لا يكون! انها معادلة هملت «نكون أو لا نكون» فصارت «يكون الجيش وراءنا أو لا يكون، لكي نكون» ولا يكون أمامنا لكي لا نكون! لعبة لغوية بسيطة تفصح عن واقع معقد! يريدون فتح تحقيق مع الجيش لتشويه سمعته وممارسه ارهابهم الاعلامي عليه وتصوير أنفسهم البدلاء «الموضوعين». قائد الجيش تحت المحاسبة. وسليماني لبنان فوقها! رئيس الجمهورية تحت المحاسبة. والسيد حسن نصرالله فوقها! رئيس الحكومة فوق المحاسبة. وقتلة الحريري فوقها «كقديسين»! فكل ما يتصل بحزب «محتشمي» فوق القانون والقضاء ومجلس النواب والوزارة والجمهورية والشعب وكل ما هو سواه دونه. والغريب المضحك ان بعض صحافيي «الممانعة» من الشيوخ العروبيين واليسار يتحفوننا باستمرار بعناوينهم الفاقعة «اين الدولة» «الدولة المنهارة»، «الدولة الفاجرة»، «الدولة تتفرج»، عال. لكن لا ينسبون ببنت أو بعاهرة شفة عن دويلة حزب الله التي تعمل كل شيء لتدمير بنية «الدولة» ووجود الجمهورية وارث الكيان. يقاضون «الدولة» اللبنانية ويصفقون لدويلة الحزب ولكانتونه المذهبي واستقلالية قراراته! شككوا بهبة السعودية للجيش وصرخوا لم تصل إلى لبنان بالطرق الشرعية. أي عن طريق القنوات المؤسساتية. لكن لم يخبرنا عباقرة العروبة «السابقين» (انضموا إلى مذهبيتهم بسلاسة مرنة!) كيف تأتي الأموال من ايران إلى حزب الله! أمن الطرق الشرعية؟ ونتذكر انه بعد حرب تموز التافهة، قدمت السعودية والامارات وقطر والكويت مساعدات وساهمت في بناء عشرات القرى المهدمة عن طريق الدولة اللبنانية بينما إيران التي تقيم علاقات متماهية بدويلتها في لبنان، ارسلت المساعدات مباشرة إلى الحزب، ليتصرف بها كما يشاء، ولا من يسائله. بل ولا من ساءله على امتداد ربع قرن، كيف صرفت عشرات المليارات التي قدمتها إلى حزب «خامنئي» (دام ظله الشريف!).

إذاً، فهؤلاء الذين يرتبطون بالحزب (وبالممانعة) وبالمال والمذهبية، يُستنفرون لتدمير الدولة من جهة، ومؤسساتها البرلمانية والفضائية والسياسية والمجتمعية ويبّررون تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، ثم يشحذون اقلامهم (المشحوذة أصلاَ بالارتزاق المذهبي: هناك مصطلح يتنامى منذ الستينات: الارتزاق المذهبي!) ويهاجمون الجيش. فالجيش بدأ يتعافى إلى حد كبير. واكتسب اجماعاً عربياً وعالمياً لضرورة تسليحه لحماية الدولة، ومواجهة الارهاب (كل ارهاب يا حزب الله بما فيه انتم!) لكنه خرج عن «طوعنا» القسري، إذاً «عليه يا اخوان« في هذه الجريدة الصفراء أو ذلك التلفزيون الأسود أو بتلك الألسنة المطاطية! عليه اذاً . انه قصّر في عرسال (هل قصّر يا محمد رعد في عبرا وفي 7 أيار وفي غزوتكم الجبلية المهينة)؟ لا! وكان مباركاً آنئذ. وحتى سلوكه في طرابلس كان مباركاً. قام بكل واجباته وصفق له السيد حسن نصرالله وجوقة الممانعة! أما اليوم فها هو ينتصر على الارهابيين وحده في عرسال (لم ينتصر هذه المرة على جهة من اللبنانيين!) بل على الارهابيين. ولقي شبه إجماع من الشعب اللبناني بحيث غير معادلة «الشعب، الجيش، المقاومة» إلى معادلة «الشعب، الجيش، الدولة). فعل كل ذلك ولم يدمر عرسال (وسنتها) ولم يهجر اهلها! و(حزب الله حزب التهجير والتنزيح) . أف! أيكون انتصار على «الارهابيين» من دون قتل أهالي عرسال. أو تدمير منازلهم. أو تهجيرهم؟ هذا أمر يتجاوز فيه كل الخطوط الحمر التي وضعناها للجيش لكي يكون جيشاٌ حقاً. اذاً، وبالطريقة التي «ابلسنا» فيها قوى الأمن (لأنها ليست تحت امرتنا) وهاجمنا الرئيس ميشال سليمان الذي تمسك بـ»اعلان بعبدا» وبالجيش وبالدولة، وكما نجحنا في التهويل والتهديد على الرئيس سعد الحريري ليغادر لبنان فعليكم وبالطرق نفسها، تهديد ميشال سليمان «طريق بيتك غير آمنة»! وكأننا نشعر بأن الحملة على الجيش اللبناني ستتفاقم من قبل حزب ايران (الذي لم يتكلم اطلاقاً عن تقصير الجيش السوري والنظام السوري عن حماية سوريا!) وستتصاعد. فكأنما تصح تنبؤات بعضهم بأن الجيش اللبناني في حال استمرار استقلاليته وتسليحه (وهذا ما كان يخشاه الحزب) سيكون في المستقبل… وحده في مواجهة الارهابيين الآتين من الخارج… ومدمري الدولة والكانتونيين في الداخل!

المعركة المقبلة هي بين «وحدانية» الحزب وحلفائه الخارجين وبين الثلاثية الشرعية «الشعب، الدولة» الجيش»!