يحتاج المراقب الى درجة عالية من الغباء لكي يصدّق ما نسبته “الواشنطن بوست” الى مسؤولين في “البنتاغون” من ان الاستخبارات الاميركية “لا تملك ولم تجمع حتى الآن” الإمكانات اللازمة لاستهداف قادة “داعش”، ولم تحصل على احداثيات كافية تساعدها على شن مجموعة من الغارات على ما يجري في العراق!
وسيكون المراقب عبيطاً اذا لم يعتبر ان تصريح وليد المعلم عن ضرورة التنسيق مع النظام قبل توجيه ضربات جوية، دعوة صريحة الى الأميركيين الى التعاون على قاعدة منا الاحداثيات ومنكم الضربات وعفا الله عما مضى منذ ثلاثة اعوام، والدليل انه أبدى استعداد النظام للتعاون مع اي جهة اقليمية او دولية بما فيها اميركا وبريطانيا، وهذه دعوة متكررة!
وليس خافياً ان هذا التعاون سيؤدي الى تعويم النظام قبل اغراق “داعش” و”النصرة” في الهزيمة، التي باتت مطلباً عاجلاً وملحاً على المستويين الاقليمي والدولي، وهذا ما سرّ قلب سيرغي لافروف الذي غيّبته اوكرانيا فعاد امس ليدعو الى التعاون مع النظام السوري لمواجهة الارهابيين!
ويزداد المراقب عباطة إن لم يتذكر ان اجهزة الاستخبارات الاميركية وضعت منذ بداية عام ٢٠١٢ خطة للتدخل في سوريا اسمها “الاسد المتأهب” تشارك فيها ١٨ دولة، سبق لها ان أجرت مناورات في الاردن، وكانت قد أشرفت على تدريب عدد من مقاتلي المعارضة في قواعد سرّية في الاردن، وهذا يعني انها تملك عملاء ومراقبين داخل الاراضي السورية.
ومن الصعوبة بمكان ان يصدق المرء ان “السي آي اي” من الحماقة الى درجة التعامي عن الأزمة الدموية التي دمّرت سوريا وأودت بأكثر من مئتي ألف قتيل وتكاد تحرق المنطقة، وأنها استيقظت فجأة على جريمة قطع رأس جيمس فولي المروّعة فاعتبرتها اعتداءً ارهابياً على اميركا ثم بدأت بإنشاء شبكات للتجسس في سوريا بحثاً عن قادة تنظيم “داعش”، وان الأمر قد يستغرق شهوراً لجمع المعلومات!
هذا الكلام يعني واحداً من اثنين، إما ان واشنطن تجد ان “داعش” لم تستكمل مفاعيل الذعر والدم بما يضع قطار التقسيم على سكة العراق وسوريا، لتكرّ سبّحة المنطقة كلها ويتم استقطاع دولة بديلة للفلسطينيين في جنوب سوريا وجزء من الاردن، وإما انها تبحث عن ذريعة للتعاون مع النظام السوري، وخصوصاً ان الإستغباء دفع عسكريي “البنتاغون” الى الزعم انهم يخشون ان يتصدى الاسد لطائرات “الدرون”، وهو الذي يقصفه العدو الاسرائيلي ويمضي ولا من يدري!
المانيا ردّت على المعلم بما يفترض ان يعلّم اميركا درساً في السياسة والأخلاق: “ارتكب النظام ظلماً لا يصدّق، هناك ٢٠٠ ألف قتيل، ومن الصعب جداً تجاهل كل هذا والقول: لأن “داعش” اسوأ من الأسد علينا التعامل معه”!