حسين عطوي بطلٌ أم مغامر؟ ما الذي يدفع أستاذاً جامعياً وشيخاً
وخطيب مسجد ومدير العلاقات العامة في «المجلس العالمي للغة العربية» إلى أن يترك ميدان الثقافة والدعوة إلى ميدان المعركة، ليتكبّد عناء إطلاق الصواريخ بنفسه على إسرائيل؟ ما علاقة الشيخ بالعميل السابق في ميليشيا لحد؟ وما هي الرسائل التي أراد إيصالها بصواريخه ودمائه؟
ضجّت وسائل الإعلام بـ«تورّط شيخ وعميل لحدي» في إطلاق صواريخ على فلسطين المحتلة. نُقل الخبر وتعامل كُثُر مع الفعل كأنّه جريمة. الشيخ موقوف بـ«جرم» إطلاق الصواريخ على العدو الصهيوني. جرى تداول الأمر وكأنّه فعل شائن. وزاد الحادثة التباساً مصادفة تزامن توقيف مطلق الصواريخ مع العميل السابق في ميليشيا أنطوان لحد سْمَيْر حسين أبو قيس الذي اشتُبه فيه لامتلاكه سيارة تحمل نفس مواصفات السيارة المستخدمة في العملية، إذ كيف يُعقل أن يتورط عميل سابق لإسرائيل في استهدافها؟ لكن لم يكد يمر وقت طويل حتى أُطلِق سراح أبو قيس لانتفاء علاقته من قريب أو بعيد.
لم يبق غير عطوي. الموقوف المصاب جراء إطلاق الصواريخ. في البدء، قُرِن اسم الشيخ بمجموعة متشددة قد يكون متورطاً معها، قبل دحض التهمة. ثم قيل إنه أقدم على ما قام به بعدما اشتدّت فيه الحماسة لنصرة أهل غزة. واعتُبر إطلاقه الصواريخ ردّ فعلٍ انفعالياً على العدوان الإسرائيلي. قيل الكثير، بعض الحقيقة وليس كلّها. فحسين عطوي ليس فتى متهوراً، ولا شاباً مراهقاً تدفعه الحماسة إلى القيام بما قام به. عطوي شاب مثقف في العقد الخامس من العمر. يحمل الدكتوراه في الدراسات الإسلامية. ترعرع في بيت مقاوم. وُلد في بلدة الهبارية العرقوبية في جنوب لبنان عام 1968. القرية التي تقع على السفح الغربي لجبل الشيخ، وتربطها حدود مع سوريا وفلسطين المحتلة. حين كان ابن 9 سنين، استُشهدت والدته بقذيفة إسرائيلية عام ١٩٧٧. وبعد الاجتياح الإسرائيلي عام ١٩٨٢، انخرط في صفوف المقاومة عبر «قوات الفجر».
مطلق الصواريخ: لست نادماً. أناصر أهل غزة وأريد فتح جبهة لتحرير أرضي
تدرّج في التدريب العسكري حتى أصبح قيادياً ومدرّباً عسكرياً. اعتقلته قوات العدو الإسرائيلي لفترة قصيرة في معتقل الخيام. شارك في القتال خلال حرب تموز عام ٢٠٠٦ على محور العرقوب. وفي موازاة نشاطه العسكري، اجتهد عطوي في تحصيله العلمي. درس في كلية الدعوة ثم حاضر كأستاذ جامعي فيها. حملت رسالته للماجستير عنوان «الحرب النفسية في السيرة النبوية». وكذلك تناولت أطروحة الدكتوراه التي قدّمها «الحرب النفسية خلال المرحلة المدنية». وشغل أيضاً منصب مدير العلاقات العامة في «المجلس العالمي للغة العربية» إلى جانب إدارته مركز الإمام الغزالي للدراسات الصوفية، علماً بأنّه مدير فرع كلية الدعوة في العرقوب. كذلك عمل صحافياً في جريدة «اللواء» الأردنية لمدة سبع سنوات.
أول الكلام الذي قاله الشيخ لأحد أفراد عائلته، في المستشفى، كان: «أطلقت الصواريخ في سبيل الله. لست نادماً وأنا مقتنع بما فعلت». ثم أضاف: «أنا أناصر أهل غزة الذين يقتلهم عدوّنا.. والمقاومة حق للجميع». انطلاقاً من هنا، يكشف أحد أصدقاء عطوي المقرّبين أن «الشيخ اعتبر أن جحيم الاقتتال الطائفي بين السنّة والشيعة لا يُمكن أن يوقفه إلا حرب مفتوحة مع إسرائيل». ويذكر الصديق نفسه أنّ «الشيخ يعلم جيداً أن صاروخه لن يغيّر في المعادلات. ولن يجر لبنان إلى الحرب في ظل توافق دولي على تحييده». ثم أردف قائلاً: «لكنه بفعلته أراد إعادة البوصلة إلى فلسطين وبعث رسالة واضحة أن المقاومة ليست حكراً على فريق لبناني دون آخر، بل هي لكل اللبنانيين، لا سيما أبناء البلدات الجنوبية». وعن علاقة «الجماعة الإسلامية» بإطلاق الصواريخ، يُجمع أصدقاؤه على أن خياره كان شخصياً فردياً مئة في المئة. ويقول هؤلاء إن عطوي إنما «كان يبتغي إيصال صوته قبل الصاروخ». وعن مصدر الصواريخ، قال أصدقاء عطوي إنها كانت مدفونة في منطقة قريبة منذ أيام حرب تموز 2006.
انخرط عطوي مبكرا في العمل المقاوم كان دائما يتابع اخبار المقاومين في جنوب لبنان وفلسطين. لم يعرف عنه اي تحيز مذهبي او طائفي حتى انتقاده لحزب الله اخيرا كان على خلفية الموقف من سوريا وليس لاسباب مذهبية. وهو دائما وقف ضد الفكر المتطرف وكان يقول في مجالسه ان «القاعدة» تتعامل مع اجهزة استخبارات متعددة ولا تخدم القضية الفلسطينية ولا الاسلامية. ومع ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» كان يقول إن «داعش هم خوارج الامة وصنيعة الاستخبارات المتعددة».
عطوي عضو في «هيئة علماء المسلمين» المؤيدة لـ«الثورة السورية» بقوّة. رفض ان يقاتل في صفوف مسلّحيها أو يُقدّم لهم أي دعم عسكري. يقول رفيق دربه الدكتور هلال درويش لـ«الأخبار»: «لم نعهد الشيخ حسين إلا صاحب فكر معتدل وحامل همّ الأمة الإسلامية». يتحدث درويش عن صديقه «العصامي الذي تنقّل باحثاً عن العلم بين قرى الجنوب والبقاع وبيروت». يصفه بأنه «رصين جداً وصاحب مؤلفات ومقالات رصينة في الحرب النفسية». وعن إطلاق الصواريخ، يقول: «لم يفاجئني. خبرته عسكرياً قبل أن يكون مثقّفاً، لكن لأنه صاحب رسالة لا أظن فعله انفعالياً أو غبياً، بل أراه ثأراً لأمّه ولأمّته». ويضيف: «الدكتور حسين مجاهد ومقاوم وجبهات الجنوب ومقاومتها يشهدان على جهاده فيها». أما شقيقه الشيخ عبدالحكيم عطوي فيقول: «الشيخ حسين أراد أن يقرن القول بالفعل». يتحدّث الشقيق الأكبر عن عدة رسائل أوصلها شقيقه بإطلاق الصواريخ. «الأولى للعرب المتخاذلين والثانية للشباب المتسكّعين. للمتخاذلين قال أنا الدكتور الشيخ مستعد لأن أستشهد في سبيل فلسطين، أما للمتسكّعين فيريد أن يقول لهم خذوني قدوتكم». أما الرسائل المتبقية فهي لـ«الدولة اللبنانية بأن البيان الوزاري يعطيني الحق بأن أقاوم لتحرير الجزء المحتل من أرضي».