كشفت موسكو المستور، وأعلنت في بيان مقتضب عن اللقاء الذي جمع الرئيس فلاديمير بوتن بوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، حصل ذلك بعد أيام من التكتّم، والوسيلة هنا تبرّر الغاية، أما الغاية فهي توجيه رسالة روسيّة عاجلة الى طهران، فالتقارب مع الأميركيّين يفسد للودّ قضيّة، وإجتماعات جنيف السريّة ما بين طهران وواشنطن تقلق موسكو، أمّا زيارة الرئيس حسن روحاني لأنقرة فجاءت في أوج المعركة المفتوحة ما بين الكرملين والغرب، وروسيا ترفض أن يكون الغاز الإيراني عبر تركيا، هو البديل عن الذي حرمت منه أوروبا بعدما تفاقمت أزمة أوكرانيا.
العلاقات الروسيّة ـ الإيرانيّة تحت المجهر، لم تعد سوريا الجامع المشترك، مبايعة الرئيس بشّار الأسد حصلت تحت غطاء التفاهم الإيراني ـ الأميركي، وليس بقرارٍ روسي. في بيروت وصف وزير الخارجيّة جون كيري الإنتخابات بالصفر، رفع مرتبة التصنيف من المهزلة الى الصفر، والصفر رقم مهم في الحسابات، وأسمى ما أنتج العرب من إبداعات هو الصفر. ما يجري في سوريا بداية صفحة جديدة برعاية أميركيّة – إيرانيّة، هل نضجت التسوية؟ الحسابات متشعّبة ومعقّدة، وربما إنتهت الأمور الى خيارات التفتيت والشرذمة، وهذا ما ستكشفه الأيام.
تحسست السعوديّة هذا المناخ، زيارة الأمير سعود الفيصل لسوتشي لم تكن للإستجمام، بل إستكمالاً لما بدأه الأمير بندر، والتزامن مهم، حصلت الزيارة في الوقت الذي طلبت طهران تمديد مفاوضاتها مع مجموعة الـ 5+1 حول الإتفاق النهائي في شأن برنامجها النووي، ومع بدء إجتماع الدول الصناعية السبع لعزل روسيا، وتهديدها بحزمة جديدة من العقوبات إذا لم تمتثل لما هو مطلوب منها فعله في أوكرانيا، وأيضاً مع عودة «الداعشيّة» بقوة الى العراق لتصبح جزءاً من المعادلة.
المسرح «الداعشي» غنيّ بالرموز والإيحاءات، وهناك تحليلات كثيرة، و»جسم العراق لبّيس»، فكيف إذا كان لا يزال تحت الهيمنة الأميركيّة في ظلّ سفارة هي الأكبر في العالم، وتأوي ما يزيد عن 5 آلاف ما بين ديبلوماسي ورجل مخابرات؟! وما يجري في الموصل لم يكن مفاجئاً، بل هو بعلم الإدارة الأميركيّة، وربما من وحي تخطيطها وتنفيذها، والغرض ليس واحداً، إنما هو مجموعة متداخلة متشابكة تؤدي الى أهداف واضحة، من بينها أنّ التمدّد «الداعشي» في الموصل هدفه توجيه رسائل في إتجاهات مختلفة لعلّ أبرزها برسم المملكة العربيّة السعوديّة ردّاً على لقاء الفيصل بالرئيس الروسي، ولتذكير مَن تخونه الذاكرة من الخليجييّن أنّ أبواب دول مجلس التعاون تدقّ هذه المرّة ليس من طهران، بل من الموصل، بأيدي «الداعشييّن»، وأنّ المواجهة السنّية ـ الشيعيّة إذا ما تصاعدت وتمدّدت، فلن تبقى داخل حدود العراق، بل ستنتقل الى دول الجوار، وأنّ الأوراق المؤثرة في الساحة السوريّة ليست خليجيّة مقفلة، بل أميركيّة ـ إيرانيّة – غربيّة تمليها مقتضيات المصالح المشتركة على مسرح الشرق الأوسط، في زمن «الربيع العربي»؟!.
حاول وزير الخارجية البريطاني أن يخفف من وقع الصدمة عندما وصف ما يحصل في الموصل بأنه من تداعيات الأزمة السوريّة على دول الجوار، وإذا كان لا بدّ من مسارعة لتدارك الموقف قبل فوات الأوان، فلا بدّ من العمل على إطفاء الحريق سريعاً في سوريا قبل أن تشتعل المنطقة بحروب مذهبيّة مدمّرة. ربما الرسالة البريطانية أقرب الى الفهم، لكن في ظلّ النيران التي يتعاظم أمرها في الموصل وحولها، يبقى على الجميع أن يستخلصوا العِبر، ومن بينهم اللبنانيون الذين فوجئوا، ليس فقط بإعادة إنتخاب الأسد لولاية ثالثة تحت مظلّة أميركيّة ـ إيرانية واقية، بل بتدخّله العلني في الإستحقاق الرئاسي؟!