IMLebanon

حقبات من تاريخ لبنان السياسي تكشف الأخطاء حيناً وتحدد النجاحات لاحقاً

٢٣ أيلول موعد جديد لاختيار رئيس الجمهورية

أم معركة فصل بين الأقوياء في السباق الى بعبدا ؟

فجّر الأستاذ نبيه بري أعجوبته السياسية عندما اقترح ٢٣ أيلول الجاري، موعداً لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

لكنه اعتذر سلفاً عن الخطأ في التحديد، لأن هذا الموعد يشوبه غموض، وينتابه تساؤل وتسوده الشكوك.

كان الأستاذ الكبير اميل الخوري يقف في العام ١٩٥٨، عند هذا التاريخ، ويرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، ويقول لأترابه من السياسيين، انه الأجدر من سواه بالرئاسة الأولى، لكن عقله يتجه الى الرئيس كميل شمعون، وقلبه يميل صوب الأستاذ حميد فرنجيه.

وعندما سُئل عن مبررات ترجيحه لأن تذهب الرئاسة الى ابن دير القمر، تعرّج على منطقة الشوف، ولا تتوقف في زغرتا، رد السياسي المثقف، بأن بريطانيا أقرب الى لبنان من فرنسا نظرياً، ولأن باريس تعودت أن تترك لندن تتقدم عليها.

قرر الرئيس نبيه بري ٢٣ أيلول موعداً لانتخاب رئيس للجمهورية، بعد ١١ جلسة نيابية مرت من دون اكتمال النصاب الذي حدده بوجود ثلثي عدد أعضاء المجلس. وربما يكتمل العدد في الجلسة الثانية عشرة.

كان الرئيس بري، يقف في الطبقة الثانية من قصر عين التينة، عندما دعا نواب كتلته الى تقديم ترشيحاتهم الى الانتخابات النيابية، لأنه أراد أن يوحي بأنه ضد تمديد ثانٍ لمجلس غير منتج ولا يلتئم، مع ان النائب الدكتور نقولا فتوش، ما كان ليتقدم بمشروع التمديد الجديد، لو لم يكن يدرك أن دولته راضٍ بذلك، لأن التمديد واقع، خوفاً من سقوط المجلس في وهاد الفراغ السياسي.

في ا لاسبوع الفائت، زار نائب بارز الرئيس بري، في غير يوم الاربعاء النيابي ووجده غير متحمس لترشيح الرئيس العماد ميشال عون للرئاسة، مع ان نائبه السابق ايلي الفرزلي تناول والعماد عون الغداء، الى مائدة رئيس المجلس، وما كان الحليف المسيحي الأقوى ل حزب الله قد نزل من الرابية الى عين التينة، لو لم تكن الأجواء مهيأة لصالحه، لدى الحليف الأكبر للحزب الأكبر ل الثنائية الشيعية مع ان الاستاذ يراهن على الاستاذ جان عبيد للرئاسة الأولى.

ويقول زائر رئيس المجلس، انه يمارس السياسة، وكأنها احدى روائع كورناي الروائي الفرنسي الشهير، فهو تارة تحسبه مع عاطفته، وأحياناً مع الروائي الفرنسي الآخر راسين، وبين الواجب والعاطفة تتعطل اللعبة السياسية، أو تستقيم.

وزعيم البرلمان، يدور حول ساحة النجمة، ويعرّج على داللوز، ويتوجه الى غارسون، ويتوقف عند فيديل ويخيط من كل منهم ثوب القانون الذي يريد سريانه.

قبل ست سنوات، كانت ١٤ آذار قد فازت بأكثرية نيابية ساحقة بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعند حلول موعد انتخاب رئيس الجمهورية اقترح مرشحها الأوفر حظاً النائب نسيب لحود، فوز الرئيس بنصاب نصف اعضاء المجلس زائد واحداً.

الا ان الرئيس بري اعتمد الثلثين، فخسر نسيب لحود فرصة فوزه، وأقر مؤتمر الدوحة انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان، في تسوية سياسية، عقب الانتصار في معركة نهر البارد، من دون تعديل في الدستور.

ماذا يجري الآن؟

من يفوز بالرئاسة؟

الناس تراهن على تسوية ما، أو على مخرج ما.

هل يفضي الحوار السعودي – الايراني الى تسوية سياسية، على مرشح توافقي يجمع بين الحكمة والحنكة، ويجتمع حوله السياسيون. هل يناور حزب الله بحليفه الرئيس ميشال عون. هل ثمة تسوية كبرى، تقود الى جمهورية كبرى، يكون العماد عون فيها رئيساً للجمهورية والرئيس سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء، لتجاوز خطر داعش المتربص بالجمهورية سراً، أم يختار المجلس الاستاذ جان عبيد المرشح السري للرئيس بري، أم العماد جان قهوجي قائد الجيش فيصعد الى بعبدا، بعد معركة عرسال كما صعد قائد الجيش السابق ميشال سليمان الى بعبدا، اثر حرب نهر البارد، أم يجري اختيار واحد من الأربعة الكبار: السفير اللبناني لدى الفاتيكان جورج خوري، وهو الذي شغل منصب مدير المخابرات في الجيش قبل ست سنوات، أم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أم الشيخ بطرس حرب الذي اقترح الاسبوع الفائت على الرئيس بري، نصاب الثلثين لاختيار رئيس البلاد، أم ترسو المعركة على النائب سليمان فرنجيه الذي يؤيد العماد عون، ولا يترشح الا بعد انسحابه.

ما هو موقف البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي من المعركة، وهو العائد حديثاً من الفاتيكان؟

أوساطه تقول ان كاردينال لبنان يريد رئيساً للبنان، وبات يضيق ذرعاً لانعقاد ١١ جلسة نيابية، من دون وجود نصاب.

وفي آخر جلسة طرحت ١٤ آذار، مبادرة يتخلى فيها مرشحها الدكتور سمير جعجع عن ترشيحه لواحد من ١٤ آذار، أو لمرشح يكون مستعداً لتنفيذ برنامج رئيس حزب القوات اللبنانية، قد يكون الرئيس الشيخ امين الجميل أو الوزير بطرس حرب.

الا ان المعركة تبدو أصعب من ذلك، خصوصاً في ضوء ما يُحكى عن وجوب الاتجاه نحو شخصية حيادية، تحظى بتأييد الجميع، هي الوزير السابق وديع الخازن، رئيس المجلس الماروني العام، والصديق الكبير للعميد ريمون اده.

ويقول الوزير السابق وئام وهاب، ان معلوماته تشير الى ان الرئاسة معقودة اللواء للرئيس العماد عون، الذي لم يرشح نفسه، ولن يرشح نفسه الا اذا ما ضمن تأييد الكتلة السنية، والكتلة الشيعية ممثلة بالسيد حسن نصرالله وحزب الله، والرئيس نبيه بري وحركة أمل، والكتلة المسيحية وحزب التيار الوطني الحر.

وفي رأيه ان هذه التركيبة السياسية، هي الضمانة لانتصار لبنان سياسياً واقتصادياً وانمائياً في المرحلة المقبلة، وتجاوز الخطر الداهم عليه من تنظيم داعش، خصوصاً بعد الندم الأميركي والأوروبي على غض الطرْف عن هذه الحركة المتخلفة اسلامياً عن ركب الحضارة، واقدامها على ذبح جندي لبناني من فنيدق، ونحر اثنين من الصحافيين الأميركيين وواحد بريطاني، وسط معلومات ترجح خسارة الرئيس الأميركي الأسمر، في معركته الانتخابية لصالح مرشح الحزب الديمقراطي امام المرشح الجمهوري.

ويقول النائب الدكتور فريد الخازن، ان التاريخ لن يعود الى الوراء، وان ١٤ آذار اساءت التصرف في المعارك السياسية، في حين ان الرئيس العماد ميشال عون قد نجح في كبح جماح قوى سياسية تريد دفع فريقها السياسي الى الهاوية.

ويعطي الدكتور فريد الخازن لمحة سياسية عن تاريخ لبنان القديم، ليؤكد ان لبنان عرف عبر تاريخه فصولاً مشرقة، وتجاوز الكثير من الفجوات والأخاديد في مسيرته، وهذا ما جعل كتلة العماد عون النيابية، تحرز انتصارات في معاركها، في حين أخفقت ١٤ آذار في تجميع عناصر جديدة مؤهلة لتمثيل ادوار انفتاحية، متحررة من الخمول السياسي.

وهذا أسوأ ما تقترفه أي منظمة سياسية عبر التاريخ.

كان الدور السوري هو العلامة الفارقة، في الميزان الرئاسي والسياسي.

ويقول الرئيس الياس سركيس ان هذه العلامة الفارقة تتبدل في كل زمان ومكان. ويضيف: في العام ١٩٧٠، فاز الرئيس سليمان فرنجيه علي بصوت واحد ٥٠-٤٩. وفي بداية العهد، أراد رئيس الوزراء صائب سلام اقالتي من منصبي كحاكم ل مصرف لبنان. الا ان الرئيس فرنجيه رفض هذا الاقتراح، وطلب التمديد لي خمس سنوات، لأنني، خلال ولايتي حافظت على النقد اللبناني، وعلى الليرة اللبنانية. وفي منتصف العهد أخذ يغض النظر عن الهجوم علي، لأنني وقفت مع الكتائب ولم أقف مع العهد. وأنا فعلت ذلك، لأن رئيس الجمهورية لا يمكن ان يحكم في ظل نزاع مع حزب لبناني كبير. والرئيس فرنجيه كان على حق، لأن الكتائب صعدت الى اهدن، واغتالت نجله الوزير طوني فرنجيه وعقيلته فيرا وكريمته جيهان، ومجموعة كبيرة من شباب زغرتا، على الطريق بين كفرفو واهدن.

يومئذُ، كان الدور السوري نافذاً، وكانت له أدوار غامضة، الا ان الارادة اللبنانية هي التي تحرك رئيس الجمهورية.

في بداية عهدي لجأت القوات اللبنانية برئاسة الشيخ بشير الجميل الى معارضة عهدي، وحاولت الاعتداء على منزل وزير الخارجية فؤاد بطرس في الاشرفية. وبعد ثلاث سنوات وجدتني انا ووزير الخارجية نعمل لايصال قائد القوات اللبنانية الى رئاسة الجمهورية. وهذا يعني ان المواقف تتبدل، ولا تبقى واحدة، مما يحتم على الانسان معاينة الظروف والعوامل السياسية المناوئة للحكم أو القريبة منه.

عيد حاتم

كان عهد المتصرفية علامة فارقة في تاريخ لبنان يمكن وصفها بظهور مسؤول لبناني كبير، من حيث نزاهته وحكمته، هو عيد حاتم ابن بلدة حمانا.

لمع نجم عيد حاتم في ايام الأمير حيدر الشهابي، وذاع صيته في زمان المتصرفية، خصوصاً في أزمنة حكم داود باشا الأرمني، وفرنكو باشا والأخير جرد حملة عسكرية توجه بها الى حمانا لدعوة عيد حاتم الى منصبه، فوجده يعمل في الحقل، لكنه أبى العودة الى بيروت، مع المتصرف الذي قصده لهذه الغاية.

بعد انتهاء ولاية المتصرف داود باشا واسناد منصب متصرفية جبل لبنان الى فرنكو باشا وتسلمه المنصب في مركز حكمه بتدين في اوائل تموز عام ١٨٦٨ سجل مجلس الادارة هذا الحدث ودعا للمتصرف الجديد بالتوفيق والفلاح وأسهم معه في احداث وسائل وتدابير اصلاحية في جميع نواحي الادارة وأجهزة الحكم.

وبما ان عمون عمون كان معروفاً بتعاونه الوثيق مع داود باشا، والباب العالي لم يكن راضياً عن سياسة داود باشا لسعيه لديه الى تكبير لبنان بضم المدن المحيطة به والبقاع اليه، فقد بادر المتصرف فرنكو باشا الى اقالته وتعيين عيد حاتم محله.

وكان ضاهر عثمان ابو شقرا عضو مجلس الادارة عن قضاء جزين قد بلغ من الكبر حداً لا يسهل معه مزاولة عمله فاستبدل المتصرف به استبدالاً قويدر حماده دون اي انتخاب.

في اواخر السنة ١٨٦٨ أمر هذا المتصرف باجراء انتخاب اعضاء الادارة تطبيقاً لنص نظام لبنان، بعد ان كانوا قد عينوا تعييناً في عهد سلفه كما سبق. فبدأ بقضاء البترون، نظراً لما كان قد وقع فيه من احداث في ايام يوسف بك كرم، وجرى الانتخاب في جو من الحرية بأصوات مشايخ قرى هذا القضاء واشراف القائمقام واطلاع المحكمة، ففاز في نتيجته الشيخ أسعد ابو صعب، فأمر المتصرف باعتباره عضواء ابتداء من اول آذار ١٨٦٩.

ثم جرى انتخاب عضو المجلس عن مدينة زحلة في اواخر كانون الأول ١٨٧١ ففاز به سليم المطران وتلاه انتخاب عضو لمقعد قضاء الكورة في أوائل السنة ١٨٧٢ ففاز به اسعد طالب. ثم انتخاب لمقعد قضاء جزين في اوائل ايار ١٨٧٢ فناله عبدالله غسطين.

وهكذا يكون فرنكو باشا بانتخاب هؤلاء النواب الاربعة اول متصرف طبق نظام لبنان الأساسي فيما يتعلق بتأليف مجلس الادارة الكبير.

ملاحظات ونصائح المتصرف

ولاحظ هذا المتصرف في اعضاء المجلس نقصاً في انتظام اعمالهم، وتبادل الاحترام بينهم، وقلة الاخلاص بين بعضهم في الخدمة العامة. فوجه اليهم في نيسان ١٨٧١ تعليمات لتصحيحها.

بعد ان تعيّن رستم باشا في نيسان ١٨٧٣، خلفاً للمتصرف الراحل، وتسلم مقاليد الحكم، أبقى الشيخ عيد حاتم، في منصب وكالة رئاسة المجلس حتى شباط ١٨٧٤، وعندئذ أمر بقصله منه وعيّن محلّه عمّون بك عمّون الذي توفي في نيسان ١٨٧٥ مبكيا على ما كان عليه من حنكة وجرأة وحزم، أما وفاته فكانت هكذا:

عندما أراد المتصرف رسنم باشا، خلال مدة ولايته، زيارة الاستانة عهد الى رئيس مجلس الادارة عمّون بك عمّون بادارة جميع شؤون المتصرفية، نيابة عنه، فقام بها قياما أعطى أبلغ دليل على ذكائه وحسن تدبيره.

وبينما كان ينتظر من المتصرف، عند رجوعه، تقدير جهوده والثناء على ما كان له من حكمة في حلّ مشكلات برزت في غيابه، اذا به يفاجأ منه عند عودته بوجه مقطب ولا يسمع منه جوابا على ترحيبه به إلاّ كلمات جافة. ولا يرى سوى أعراض موجع دله دلالة واضحة على تغيّر من المتصرف وسخط عليه دونما سبب ناجم عنه، بل نتيجة وشاية غادرة.

واستأنف المتصرف تطبيق القانون في الوقت نفسه فأجريت بناء على أوامره انتخابات متتابعة بواسطة شيوخ القرى كما يأتي:

في سنة ١٨٧٣:

انتخاب عضو عن السنّة في قضاء الشوف فاز به عمر الخطيب.

انتخاب عضو عن الروم في قضاء المتن فاز به أسعد الخوري.

انتخاب في قضاء جزين فاز به منصور المعوشي.

قاسم صالحة عن الدروز في قضاء المتن.

فارس الخوري عن الموارنة في قضاء كسروان١.

ووفقا للمؤرخ أسد رستم فقد كان انتخاب عضو المجلس يتم قبلا بعريضة يوقّعها شيوخ القرى في القضاء موجهة الى المتصرف تتضمن اعلان رغبتهم الاجماعية في من يملأ مقعد العضوية، مصحوبة بعريضة أخرى من قائمقام القضاء، يؤكد فيها ان الانتخاب جرى بحضوره، فيحيل المتصرف العريضتين الى المجلس لابداء رأيه الذي يكون غالبا بالموافقة.

ولكن رستم باشا جعل الانتخاب بالاقتراع السرّي على النهج القانوني يمارسه مشايخ القرى٢.

أمر رستم باشا خلال سنة ١٨٧٥ تنفيذا لزوامر الباب العالي بإلزام اللبنانيين استعمال الأوراق الصحيحة في جميع المعاملات الرسمية، فوقف مجلس الادارة وقفة ثابتة ضد هذا الأمر بقرار لئن صيغ بقالب الضراعة وعبارات الاسترحام التي كان يدعو اليها ما كان عليه المتصرف من جفاف وصلابة، وعهد السلطنة من رهبة وأخطار، فقد كان القرار مسندا الى أدلة تستوجب من الحاكم الاقتناع منها: ان نظام لبنان الذي منحه امتيازا خاصا به دون سواه من ولايات الدولة لا يلزمه بسوى مبلغ محدد للدولة كل سنة.

عصر حبيب باشا السعد

عندما تسلم مظفر باشا أزمة الحكم في متصرفية جبل لبنان، أقام حبيب باشا السعد رئيسا لمجلس الادارة بالوكالة عنه، وشمّر عن ساعديه للعمل المجدي، وتحقيق آمال الأهلين بهمّة شمّاء لا تعرف التأجيل.

ففي أواخر تشرين الأول ١٩٠٢، بعد ان تفقّد الدوائر جمعاء، دخل مجلس الادارة، وطرح على الأعضاء لائحة مؤلفة من ١٩ بنداً أحاطت بكل ما يحتاجه لبنان لزيادة عمرانه، وطلب من كل منهم ان يعلّق عليها ما يبدو له ويرتئيه لكي يجري تقريرها والعمل بها.

ونظرا لشغور خمسة مقاعد في مجلس الادارة، جرى لملئها الانتخاب في كانون الثاني ١٩٠٢، بحضور المتصرف مظفر باشا وأعضاء مجلس الادارة بواسطة مشايخ القرى، فأسفر، في قضاء المتن، عن فوز شديد عقل عن الطائفة المارونية ونجم الأسود عن الروم الأرثوذكس، وفي كسروان، بربر الخازن عن الموارنة ومحمد محسن عن الشيعة، وفي جزين، مسعود العازوري عن الموارنة. وقد أطرت الجرائد اللبنانية ما أبداه المتصرف من النزاهة والحزم في هذه الانتخابات٢.

خلال سنة ١٩٠٢، في ولاية مظفر باشا، قام مجلس الادارة بتحقيق في أعمال محكمة دير القمر، أسفر عن وجود فساد فيها ومخالفات للقوانين، الأمر الذي جعل البطريرك الماروني، يقف معارضا للتمييز الطائفي، ومؤكدا على الوحدة في الانصاف بين المسيحيين والمسلمين.

أصدر السلطان عبدالحميد حوالى سنة ١٨٧٩ أمرا بنشر القانون الأساسي وانتخاب نواب للمجلس السياسي، وتلقى متصرف لبنان رستم باشا أمرا من الحكومة التركية بوجوب ارسال نواب يمثلون لبنان في ذلك المجلس. ولكن على الرغم من الماسعي التي قام بها لحمل أهل لبنان على تلبية الطلب، فقد اعتصموا بالرفض حذرا وتمسكا بامتيازات لبنان واستقلاله الداخلي.

تلاقت رغبة المجلس وفكرة المتصرف على وجوب المحافظة على اآثار القديمة التي تعتبر ثروة كبرى للبنان. فاتجه نظر المجلس الى ارزة الباذخ، واتخذ في تموز ١٨٧٩.

القاضي بتعميم الانصاف على المناطق كافة.

وعلى كل ان المجلس الاداري الذي يضم ممثلين عن معظم الطوائف، فان الاختلال بالتوازن بات يشكّل أضراراً بمصالح كل فئة وطائفة.

ونشأ تحقيق اداري في عهد المتصرف نعوم باشا الذي أظهر اساءة في استعمال وظيفته، فتقرر عزله، واستند القائمقام في موقفه الى ان لبنان بلد مستقل، له نظام خاص ينص على أنه لا يعرف مرجعاً إلاّ الباب العالي. مباشرة، وان كل تدبير لا ينطبق على النص معناه المسّ باستقلاله.

وفي معلومات الوزير فؤاد الخوري انه في سنة ١٩٠٧، تولى متصرفية جبل لبنان يوسف باشا فرنكو وقد امتد عهد ولايته الى سنة ١٩١٢ وعين رئيسا لمجلس الادارة بالوكالة عنه الأمير قبلان أبي اللمع. وكان هذا الرئيس رصينا وقورا وعلى درجة محدودة من المعرفة، وغير محدودة في مغالبة خصومه السياسيين.

من أبرز الأحداث النيابية في هذا العهد:

في صيف ١٩٠٨ فاز رجال جمعية الاتحاد والترقي في الاستانة باجبار السلطان عبدالحميد على اعلان الدستور. ففرح الناس في أنحاء السلطنة وهللوا لهذه البشرى.

بعد اتفاق وتفاهم تمّا بين الاتحاديين، القابضين على زمام السلطة، وزعماء معارضة المتصرف يوسف باشا في لبنان، وفي مقدمتهم حبيب باشا السعد ونسيب بك جنبلاط والأمير شكيب ارسلان وسليم بك عمّون والشيخ كنعان الضاهر ورشيد بك نخله، وفد هؤلاء الزعماء على بتدين مصيف الحكومة، ومن حولهم جماهير المؤيدين، وأجبروا المتصرف على الاعتراف بالدستور وحلف اليمين على احترامه.

انتخاب نيابي دامٍ

كان الشيخ جرجي العازار، عضو الكورة، عضوا بارزا في المجلس من مؤيدي المتصرف يوسف باشا. فبعد وفاته في سنة ١٩٠٨ تقدم ابنه الشيخ فؤاد لترشيح نفسه محله في الانتخاب، ولكن معارضي سياسة المتصرف رأوا في السيد جرجي تامر، من حامات، عنصرا يعتمد، فأجمعوا على ترشيحه. وفي الموعد المعيّن للانتخاب في أنفه، مركز القضاء، يوم ٢٩ كانون الأول سنة ١٩٠٨، جرى الانتخاب في جو معتكر بخلاف شديد بين مؤيدي المرشحين بلغ ذروته. فما انتهى إلاّ وقد سقط من رجال الدرك قتيلان على باب قلم الاقتراع برصاص بعض من أعماهم الحماس الحزبي والنزعة الى الشر من الناخبين.

وأسفر الانتخاب عن فوز المرشح تامر ١. وقد ظهر نشاطه في المجلس فكان من خيرة أعضائه.

في أوائل سنة ١٩١٠، شغر مقعدان لعضوية مجلس الادارة عن قضاء المتن، أحدهما للموارنة والآخر للروم الأرثوذكس، فتنافس على كسبهما من جانب، نصري لحود عن الموارنة وابرهيم الأسود عن الروم الأرثوذكس يناصرهما رئيس المجلس الأمير قبلان، بما كان له من نفوذ واسع، ومن جانب آخر خليل عقل عن الموارنة والياس الشويري عن الأرثوذكس تؤيدهما عناصر معارضة للمتصرف، وجمعية الاصلاح الساحلي، التي كانت تحدوها الى هذا التأييد رغبة ملحة في تمثيل الساحل بعضو في مجلس الادارة لأول مرة.

عند تولية أوهانس باشا المتصرفية سنة ١٩١٣، تضمن فرمان تعيينه بنودا اصلاحية جديدة أضيفت الى نظام لبنان، منها ما يتعلق بالنيابة:

– عدم انحصار انتخاب أعضاء مجلس الادارة بشيوخ الصلح، بل يضاف اليهم عن كل مئة مكلف مندوب منتخب يشاركهم في الانتخاب.

– زيادة عضو في المجلس عن مديرية دير القمر.

– الحصانة النيابية بحيث لا تكف يد عضو المجلس ولا يحاكم إلا بعد تحقيق يقوم به المجلس نفسه، وبعد قرار يصدر من المجلس بشأنه.

ولم تكن هذه البنود إلاّ نتيجة استجابة من جانب الدول، واضعة نظام لبنان لمطالب الرأي العام فيه، وشكاوى بعض هيئاته الوطنية من عسف المتصرف بالنسبة لمصالح البلاد، وحقده تجاه بعض ممثليها خلال مدة ولايته.

وعلى أثر تسلّم أوهانس باشا زمام المتصرفية في جبل لبنان العام ١٩١٣ عيّن حبيب باشا السعد نائبا عنه في رئاسة مجلس الادارة، فتسنى له مع أعضاء المجلس تأدية خدمات جليلة لتعزيز السلطة اللبنانية.

خلت في مجلس الادارة كرسي رئيسه وبعض أعضائه، بابعادهم عن لبنان وجرى تعيين مجلس ادارة من أبرز أعضائه:

أحمد الحسيني عن كسروان، سليم داود ثابت عن دير القمر، حسين الحجار والأمير سامي ارسلان عن الشوف. الشيخ عقل أبو صعب عن البترون، المقدم رشيد مزهر وابراهيم الأسود واسكندر الخوري عن المتن، أسعد مخايل لحود عن جبيل، زخور العازار عن الكورة، يوسف البردويل عن زحلة، وفؤاد عازوري عن جزين، برئاسة الأمير سليم أبي اللمع.

اقتصر دور المتصرف في أمر تأليف مجلس الادارة الجديد على دعوته الأعضاء المعينين الى اجتماع لديه، وابلاغهم أمر قائد الجيش، الذي أصبح صاحب السلطة المطلقة، في سوريا ولبنان، وما اليهما.

ثورة أم انتفاضة

بينما كان الأمير فيصل قد أعلن في دمشق استقلال الدولة السورية، كان رجال الانتداب الفرنسي في لبنان يطلقون العنان في التسلط المرهق، والاستئثار بجميع مرافق البلاد، وأجهزتها، عابثين بصلاحيات ممثلها مجلس الادارة غير عابئين بمقرراته. فبدت دلائل الاستياء شاملة، وسئم الأهلون وطأة السلطة العسكرية. فأخذوا يطالبون بحكم وطني تخلصا من نير الانتداب. وحيال هذا الوضع، جرت مخابرات خاصة بين ممثل للحكومة السورية، من جهة، وبعض أعضاء مجلس الادارة في لبنان وسعيد بك البستاني قائد الدرك والأمير أمين ارسلان، من جهة ثانية، أدت المخابرات الى اتفاق على استقلال جبل لبنان استقلالا تاما وحياده وتكبيره، وان توضع مضبطة بذلك من قبل مجلس الادارة يحملها موقّعوها، من أعضائه، الى مؤتمر الصلح في باريس للحصول على المطالب المبينة فيها.

وضعت المضبطة في ١٠ تموز ١٩٢٠ ووقعها سبعة من أعضاء المجلس هم: سعدالله الحويك شقيق غبطة البطريرك الحويك، خليل عقل، سليمان كنعان، محمود جنبلاط، فؤاد عبدالملك، الياس الشويري، محمد الحاج محسن. وتخلّف يوسف البريدي – وكان متضامنا معهم – بسبب مرضه وأرسل نسيبه مخول القاصوف للاشتراك في اجتماعاتهم ووعد ان يلحق بهم الى دمشق.

مجلس جديد

أحدث حلّ المجلس صدى سيّئاً في البلد، فقررت سلطة الانتداب، بعد مدة، اجراء انتخاب نيابي جديد.

وعندما انعقد المجلس الجديد فاز برئاسته أحد نوابه موسى نمور، فبرهن عن اعتداله في سياسته، ومقدرة في ادارة جلسات المجلس وتنظيم شؤونه. وفاز بنيابة الرئاسة عمر الداعوق.

بعد بضعة أشهر، أعلن المفوض السامي الجديد دي جوفنيل رغبة في وضع دستور جديد للدولة، فاجتمع المجلس وانتخب لجنة من النواب مهمتها اعداد نصوص الدستور، وانتخبت اللجنة مقررين من أعضائها هما: باترو طراد وميشال شيحا.

وبعد ان اضطلعت بمهامها كما ينبغي مدة نحو سنة، برز حائل دون استمرارها هو ان مجلس الشيوخ أصدر قرارا بعدم التعاون مع كل وزارة يزيد عددها على ثلاثة وزراء. وإذ علم مجلس النواب وكان رئيسه موسى نمور بقرار مجلس الشيوخ أصدر بدوره قرارا تضمن رغبته في ان يكون عدد الوزراء سبعة. وازاء هذه الأزمة بين المجلسين أقدم رئيس الوزارة على تقديم استقالته.

وتعيّنت بعدها وزارة برئاسة الشيخ بشاره الخوري. وعلى الرغم من احرازها الثقة، ظلّ الجو معتكرا بين المجلسين اعتكارا كاد يوقف أعمال الحكومة، الأمر الذي أدى الى دمج المجلسين في مجلس واحد مؤلف من نواب منتخبين عددهم ثلاثون ونواب معيّنين بمرسوم من مجلس الوزراء عددهم معادل لنصف عدد النواب المنتخبين. وذلك بناءعلى مشروع تعديل قدمته الحكومة الى كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ. فنال موافقتهما بعد تدخل مندوب المفوض السامي.

أما رئاسة هذا المجلس الموحد فبعد ان تجاذبها الشيخ محمد الجسر والدكتور أيوب ثابت، فاز بها أولهما في جلسة الانتخاب وبنيابة الرئاسة يوسف الزين. وسارت أعمال هذا المجلس خالصة من كدر تنازع المجلسين. وأما براعة رئيسه في ادارة الجلسات ورغبته في اختصار النقاش فقد جعل كلمة قُبِلت تصدر عنه غالبا في المسألة المطروحة قبل انتهاء الاقتراع حتى ذهبت مثلا.