IMLebanon

حقيقة أميركية أو مناورة؟

يحلو للبعض القول إنّ ثمّة اتفاقاً كبيراً على مستقبل الشرق الأوسط أُبرم منذ نحو عامين بين واشنطن وموسكو.

يروي هؤلاء وفق المعلومات الضئيلة التي يملكونها أنّ هذا الاتفاق الذي فتح الباب أمام «شرعية» الحضور الروسي في هذه المنطقة انطلاقاً من مصالحها الأمنية في درجة أولى، طاول الترتيب المستقبلي لهذه الفوضى في الحضور بين المجموعات المذهبية والإثنية والقبلية التي انتظمت وفق تقسيمات سايكس ـ بيكو من دون أن يؤدي ذلك إلى إخماد نار الخلافات الدامية بينها، لا بل العكس.

وحين ظهرت أزمة السلاح الكيماوي في سوريا نفَّذ الرئيس الأميركي باراك أوباما مناورة كبيرة أعادت في نهايتها فتح خطوط التفاوض مع إيران، مع ما يعني ذلك من إقرار أميركي بدورٍ إيراني مميّز في هذه المنطقة، ولم تكن روسيا بعيدة عمّا يحصل.

لكنّ إيران التي اشتكى منها الأميركيون طويلاً بسبب «عنجهيّتها» السياسيّة كما يُردّد ديبلوماسيون أميركيون، رفضت في مفاوضاتها المفتوحة مع الأميركيّين البحث في ملفّين: الأول «حزب الله» والثاني الرئيس السوري بشار الأسد، وكان يُنقل عن ديبلوماسيّين إيرانيين قولهم «أين المكسب في أن توافق واشنطن على ما حقّقناه بقدرتنا؟»

ويُروى أنّ الجناح المحافظ الذي كان على خلاف مع بعض نواحي سياسة الجناح الإصلاحي كان قد اشترط على الرئيس الإيراني حسن روحاني عدم التطرق مع الأميركيّين الى هاتين النقطتين في المفاوضات بعدما لمَس تمسّك واشنطن بإنجاز تسوية مع طهران.

فعلى الصعيد الميداني كان «حزب الله» قد حقَّق مكاسب كثيرة في لبنان وسوريا ونجَح في تحصينها سياسياً، فيما استعاد الجيش السوري زمامَ المبادرة وحقّق إنجازاتٍ مهمة، خصوصاً على مستوى محافظة حمص حيث فُتحت الطريق واسعة بين طهران وجنوب لبنان في موازاة العمل على استعادة حلب.

لكنّ «التمرّد» السنّي في العراق تحت راية «داعش» قطع طريق التواصل الجغرافي مجدّداً وأجهَض مكاسب كثيرة كانت قد حقّقتها إيران في سوريا ودفعت ثمناً غالياً من أجلها.

وفيما بدَت قوات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عاجزة عن استعادة زمام المبادرة بعد انهيار الجيش وانزلاق الأوضاع الى حرب أهلية مذهبيّة، بدا التدخّل الإيراني المباشر خياراً صعباً كونه سيفتح الأبواب أمام تحرّك شعوب في دول جديدة مثل باكستان.

عملياً، بدا العراق وكأنّه يسلك الطريق الجدّي الى التقسيم، فوزير الخارحية الأميركي جون كيري تعمّد في زيارته الأولى للعراق أن يزور إقليم كردستان حيث كان معبّراً بما فيه الكفاية إعلان رئيس الإقليم مسعود البرزاني أنّ تنظيم «داعش» خلق واقعاً جديداً وعراقاً جديداً، فيما همس ديبلوماسيون أميركيون أنّ البرزاني كاشف كيري نيّته الانفصال نهائياً عن بغداد.

وتكشف أوساطٌ مطلعة عن وجود وفد كردي متخصّص في الشؤون الديموغرافية والجغرافية الآن في باريس لاستطلاع مستقبل الأكراد بمن فيهم أكراد سوريا وتركيا. والإشارة الأوضح كانت بإزالة «داعش» السواتر الحدودية الفاصلة بين سنّة العراق وسنّة سوريا في مقابل تشكّل حدود أصبحت أكثر واقعية داخل سوريا وداخل العراق.

ويترافق كل ذلك مع همسات تتحدّث عن ارتفاع حيوية ونشاط بعض رموز المعارضة الإيرانية الموجودة في لندن، والتي تنتمي الى الطائفة السنّية في منطقة الأهواز القريبة من الحدود مع العراق.

صحيحٌ أنّ التناقض داخل إيران يبقى إثنياً وليس مذهبياً، إلّا أنّ لمرحلة النزاع المذهبي في المنطقة تأثيرها و»بريقها القاتل».

هكذا أيضاً تحرَّكت الساحة اللبنانية مجدداً، على رغم إقرار الجميع بأنّ الخطوات الأمنية التي كان قد نفّذها الجيش اللبناني سابقاً فكّكت شبكات إرهابية عدة وأطبقت على عدد من بؤر الإرهاب، كما أنّ نجاح «حزب الله» في السيطرة على كامل الحدود الفاصلة بين لبنان والقلمون في سوريا، قطع المنابع التي كانت تُؤمّن الدعم الأساس للداخل اللبناني، وظهر ذلك واضحاً مع التفجيرَين الأخيرين في ضهر البيدر والضاحية الجنوبية، حيث بدا أنّ هناك افتقاراً لوجستياً: المتفجّرات ليست متوافرة بكثرة، خبراء التفخيخ ليسوا على مستوى عالٍ، والتفخيخ حصل في لبنان في إحدى «الكاراجات» الصغيرة والمخفية، أما المتوافر الوحيد فكان الانتحاري. وهذا ما دفع عدداً من المسؤولين الى القول: الوضع جدّي لكنه ليس خطراً. إضافة ربما الى أنّ واشنطن قد تكون منشغلة بـ»مناورة» العراق أكثر من الضغط عبر الساحة اللبنانية، مناورة قد تسلك درب الحقيقة في لحظة ما.