على خطورة المغامرة التي تترتب على احتمال السقوط في الفراغ الدستوري الشامل، وهو احتمال ضئيل على رغم ضجيج التهويل المتصاعد، ثمة في المشهد السياسي الداخلي الطالع ما يحفز اللبنانيين على تساؤلات ساخرة ما دام الوسط السياسي يمعن في مسخرة نفسه بمعدلات قياسية.
اقل ما يقال اولا في التجاوز غير المبرر لمهلة نشر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الى الاستحقاق النيابي قبل استدراكه متأخرا هو ان مجلس وزراء لبنان القائم بأعمال رئاسة الجمهورية انتهك الدستور حتى في الشكل بما يعني انهيار الأصول من فوق الى تحت وتعميم “ثقافة” التهاون والتساهل في احترام المهل والدستور والقوانين على نحو مستهجن. فلماذا نستغرب اذا كل التفلت الاجتماعي الفردي والجماعي الذي يجتاح “مجتمعات” لبنان ومناطقه ومختلف بيئاته؟
ثم ان في لبنان الضيعة الصغيرة المكشوفة التي لا يخفى فيها “ستر مغطى” يستحيل التمادي في المناورات والمزايدات. لذا ترانا نتساءل هل “الحكماء” اصحاب المواقف والقرارات السيادية القاطعة الذين شرعوا حاليا في إيهامنا باندلاع معركة بين مؤيدي التمديد للمجلس النيابي ورافضيه سيمضون فيها الى النهاية مهما كلف الامر ام سيوقفونها عندما تستوي صفقة معروفة المعالم؟ وإذا كان “السياديون” الاقحاح على هذه القدرة المطلقة من الاستقلالية فلماذا لا يوفرون على لبنان واللبنانيين عناء استهلاك الوقت الطويل في انتظار صفقة اقليمية تحمل الاسم الساحر لرئيس لبنان المقبل؟ وكيف تكون سياديا مستقلا في التسبب بأزمة فراغ جديدة ولا يمكنك ان تفعل الامر نفسه بوضع حد للازمة الرئاسية؟
يتباهى الاطراف المسيحيون بأنهم توافقوا على موقف جامع واحد من رفض التمديد وهو مبدئيا الموقف الحقيقي الذي يجب الثبات عنده. ولكن هل “السجل العدلي” لهؤلاء الاطراف في ازمة الفراغ الرئاسي يسمح لهم بالمضي في المناورة والتلاعب الظرفي بلعبة تقاطع المصالح وتعريض المسيحيين لمزيد من فائض الخسائر الخطيرة المتراكمة أصلا قبل كل هذا المد الاصولي الذي يدمر الشرق، فكيف بعده؟
يسحب “عميد رؤساء البرلمانات” في العالم ورقة احصائية من كمه الشهير ليقول ان النسبة الساحقة من النواب الذين يشاركون في الجلسات الانتخابية الرئاسية هم من المسلمين. ولكن براعة الرئيس بري تقف عند حدود معادلة لا نظن انها خافية عليه وهي المتحكمة بشلل المجلس الذي تناوب الصراع المذهبي منذ سنوات على التسبب بجولات تعطيله غالبا على يده ويد الحزب الحديدي واحيانا على يد خصومه الى ان بلغ ذروته حاليا بالتهويل بتعميم الفراغ وإشعال ازمة نظام.
وأخيرا ترانا نسأل ماذا سيبقى من “وقفات العز” كلها هذه متى استعيدت نسخة تشكيل الحكومة الحالية في ليلة مقمرة؟