IMLebanon

حكومة انتقالية… أتذكرون؟

تشكل حكومة الرئيس تمام سلام حالياً آخر حبات العقد الميثاقي الذي لا يزال ينبض بما تبقى من إرادات سياسية في الحفاظ على انتظام النظام ومنع تفككه. ومع اقتراب الفراغ الرئاسي من طي شهره الثاني في ٢٥ تموز الحالي يبدو ان القلق من انفراط الحلقة الأخيرة لن يبقى مجرد احتمال مقلق اذا مضت المبارزات السياسية المتبادلة في مسار تعميم تعطيل السلطة التنفيذية ايضا.

لعل المفارقة التي ترتسم في طبيعة بضع معارك سياسية تدور بين القوى الممثلة في الحكومة رغم ان دعوة الرئيس سعد الحريري الى تشكيل نموذج مماثل لها بعد انتخاب رئيس جديد جاءت بمثابة درع تثبيت لصيغتها هي في ان هذه المعارك كانت لتشكل أمراً صحياً بل مطلوباً بإلحاح في ظرف غير انتقالي لا يكتسب طابع الخطورة القصوى على مصير البلاد. فالجدل المتصاعد مثلاً حول ملف الإنفاق المالي العالق منذ تسع سنوات يستدعي تنقية مالية شاملة لا يمكن التنكر في اي شكل من الأشكال لضرورتها والزاميتها مهما طال الزمن. كما ان الخوض عميقاً في إصلاح جذري مالي واقتصادي واجتماعي يشكل واقعياً احد افضل وجوه المعارك السياسية المفتوحة “امام الجمهور” في بلد غارق حتى الأذنين في أبشع مظاهر الفساد.

ولكن كل ذلك يقف امام الوجه الآخر لتوقيت اثارة هذه المعارك ضمن حكومة غدت مهمتها الانتقالية محصورة بعد ٢٥ ايار في إنجاز الانتخابات الرئاسية كأولوية ملزمة وسط ظروف اقليمية وداخلية ترسم لهذه الحكومة دون سواها في تجارب انتقالية سابقة خطوطاً حمراً صارمة لا تسمح بتجاوزها.

لقد بنى الرئيس فؤاد شهاب سجله الإصلاحي التاريخي الشهير ليس من كونه انشأ مؤسسات رقابية وناهض “أكلة الجبنة” فحسب بل لانه شق طريقه الإصلاحية في اول مساره باحترام الدستور احتراماً “عسكريا” بحذافيره لدى ترئيسه حكومة انتقالية أنجزت في ايام معدودة الانتخابات الرئاسية. هذه السابقة مزقت لاحقاً مع تجربة “الحكومتين” عقب عهد الرئيس أمين الجميل حين تقاسمت حكومة العماد عون والرئيس الحص الانشطار الحربي اللبناني، ومع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عقب عهد الرئيس أميل لحود. وأكبر الخشية الآن ان تلتحق حكومة الرئيس سلام بركب التجارب الانتقالية الطويلة التي تنذر هذه المرة بنتائج شديدة الخطورة لا على الموقع الرئاسي والنظام الدستوري وحدهما بل على المسار الميثاقي للمرة الاولى بهذا المستوى من الخطورة.

لا نقول ان زمن فؤاد شهاب ومن يماثله من قامات تاريخية قابل للعودة. لكن كيف تقنعنا معارك ظاهرها مقونن ومشرعن وباطنها يشي بكل الريبة والشكوك بأنها لا تفتح مسالك التمديد للفراغ وكل مشتقاته تحت جنح حرب تصفية الحسابات العتيقة والحديثة الدائرة داخل الحدود ووراءها؟