حجب العراق وتطوراته، سوريا وما يجري فيها، لا يعني أن «السورنة» انتهت، وأن تراجع الاهتمام العلني بها، أنتج عدم حصول تطورات يجب متابعتها بدقة. لقاء بثينة شعبان مع جيفري فيلتمان بصفته مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، فتح شهية التسريبات في ظل غياب المعلومات الرسمية. المهم أن اللقاء حصل، وأنه فتح الباب أمام الأسديين» للكلام عن اعتراف أميركي بالرئيس بشار الأسد، «المحارب الكبير للإرهاب الظلامي»، والمرشح للانضمام الى التحالف الواسع في الحرب العالمية الثالثة ضد الارهاب.
كل هذا ليس جديداً. في الأصل وظّف الأسد كل خبرات نظامه مع المنظمات الارهابية لبيعها ومقايضتها عند الضرورة للأجهزة الأمنية الغربية خاصة فرنسا وألمانيا. الجديد ما يقوله «أسديون»، ان «اتفاقاً مبدئياً قد جرى التوصل إليه بين واشنطن وموسكو حول سوريا. وان النقاط الأساسية في الاتفاق تشمل:
*المحافظة على النظام في سوريا من حيث «البنى التحتية فيه» أو العناصر المكوّنة له. فقد أثبت النظام أن ثلاث سنوات من الحرب لم تضعفه وتزلزله. فالجيش والأمن والادارة بكل فروعها ما زالت متماسكة وممسوكة. تجربة العراق شكلت درساً لا ينسى للأميركيين وغيرهم، وقد جاء سقوط الموصل وتكريت وتفكك الجيش الجديد ليؤكد ذلك.
*يبقى الرئيس بشار الأسد في السلطة لكن دون تحديد الفترة سواء كانت محدودة أم حتى نهاية الولاية الجديدة، أم أنه ستجري انتخابات رئاسية جديدة بعد التهدئة وعودة النازحين في الداخل والخارج. هذه النقطة ما زالت معلّقة.
* تشكل حكومة من ثلاث عشرات. عشر وزارات لحزب البعث تضم الوزارات السيادية الأساسية. وعشر وزارات للتكنوقراط (كيف يتم اختيارهم خصوصاً انه لا يوجد تكنوقراطي غير مسيّس وحيادي مئة في المئة). وعشر وزارات للمعارضة والسؤال أي معارضة ومن يمثلها وهذه نقطة خلافية عميقة باعتراف الأسديين.
* اجراء انتخابات تشريعية جديدة.
* ينخرط النظام الأسدي المستحدث في الحرب العالمية ضد الارهاب الظلامي.
بعيداً عن صحة أو دقة هذا المشروع للحل في سوريا، وما هو دور إيران فيه، فإن مجرد طرحه يؤشر الى بداية البحث عن تفاهم أميركي روسي. دوافع هذا البحث ليس القلق من التطورات في سوريا، وإنما في العراق الذي فاجأت أحداثه الجميع من واشنطن الى طهران وصولاً الى موسكو.
طوال ثلاث سنوات، تم ضبط النار داخل «الملعب» السوري. في العراق تبدو حدود «الملعب» مرسومة في الرمال. لذلك أخافت «ناره» المذهبية والسياسية والاجتماعية الجميع. دخول تنظيم «داعش الى «الملعب»، وإعلانه «الدولة الاسلامية»، أكد حجم الأخطار. طهران بدت الأكثر إحراجاً.
وجدت القيادة الايرانية نفسها في مواجهة امتحان صعب، لذلك بدا السجال فيها حول العراق حاداً وعميقاً. إيران وقعت بين «سندان» المحافظة على نفوذها الواسع في العراق، و«مطرقة» الحرب المذهبية الواسعة. لذلك ركزت إيران على «الحرب ضد الارهاب» طلباً للدعم الأميركي، الى درجة قبولها بعودة المستشارين الأميركيين مع حصانة قضائية داخل العراق. لكن يبدو أن واشنطن لم تقتنع بالحملة الايرانية، فكان أن ركّز جون كيري وزير الخارجية الأميركي في لقائه مع نوري المالكي على «شعور السنة بأن دورهم ومساهمتهم في بناء العراق قد أضعفا وهمّشا مجتمعياً وسياسياً واقتصادياً.. ونحن قلقون من استياء الأكراد والسنة وبعض الشيعة من القيادة الحالية أي التي يرأسها المالكي».
المشكلة الاضافية التي خلقها العراق لإيران، ان «بركانه» انفجر في اللحظات الأخيرة من مسار المباحثات حول الملف النووي. وبدلاً من أن تستمر طهران في استثمار الملف العراقي مع باقي ملفات «السلة» التي تدعم موقفها، أصبح عبئاً عليها لذلك صرخت من موسكو «أن واشنطن تريد تحويل العراق الى أوكرانيا لها». فيما يعني عملية استنزاف وفي قلب خاصرتها الضعيفة.
السؤال الواقعي هل اقتنعت موسكو وطهران بأن «جرس» البحث عن حل شامل يبدأ من العراق وسوريا قد قرع، وأنه يجب قبل الانخراط في هذا المسار الاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة أم أن أوهام الاستقواء بالحروب البديلة ستستمر فيكون وقع الخسائر أكبر بكثير؟