الحرب على الارهاب طويلة، ومحاورها متعددة، لكن الفصل الحالي على المحور العراقي بالغ الأهمية. فالصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها وصل الى نقطة تحوّل عبر اضطرار أميركا المتطلعة الي الشرق الأقصى لمعاودة التركيز على الشرق الأوسط والانخراط في محاربة داعش. والكل يعرف أن اللعبة الكبيرة تُدار على أساس أن أشياء كثيرة في مسار الحرب ترتبط بالنقلة العراقية على رقعة الشطرنج السياسي. وهي نقلة تمت في اليوم الأخير من المهلة الدستورية.
ذلك ان حكومة حيدر العبادي جاءت على الطريقتين اللبنانية والعراقية، وسط دفع اقليمي ودولي أبرزه ايراني وأميركي. أما الطريقة اللبنانية، فانها جمع كل المكونات والقوى الممثلة في المجلس والخصوم والحلفاء في حكومة واحدة. وأما الطريقة العراقية، فانها تقديم حكومة منقوصة الى المجلس ونيل الثقة.
هكذا حدث عام ٢٠١٠ عندما قدم نوري المالكي حكومته من دون وزراء لثلاث حقائب مهمة جداً: الدفاع والداخلية والأمن القومي. وهكذا تكرر الأمر عام ٢٠١٤ عندما قدم حيدر العبادي حكومة من دون وزراء لحقائب الدفاع والداخلية والموارد المائية. المالكي قضى أربع سنوات من دون أن يملأ الحقائب بوزراء أصلاء، بحيث جمع كل الصلاحيات في مكتبه كقائد عام وكل القرارات في يده. والعبادي يعد بملء الحقائب خلال أسبوع. ولا أحد يجهل معنى الخلاف على الحقائب المعنية بالأمن والحرب على الارهاب.
وليس أهم من تأليف الحكومة التي ترضي وتضم الجميع والمطلوبة لانخراط أميركا في الحرب على داعش سوى إحداث تحوّل في السياسة والسلوك، على الطريق الى نقل العملية السياسية من المحاصصة الى حكم الكفايات الوطنية. فما فعله المالكي هو تركيب الجيش وقوى الامن بأرجحية لمكون اجتماعي واحد وادارتهما كميليشيا شخصية تابعة له. وما قاد اليه تفرده وانحيازه للنفوذ الايراني هو أزمة مع الكرد والسنّة، وخلاف مع المراجع والزعامات الشيعية، وعزلة عن العرب، وانهيار الجيش أمام داعش.
ومن المبكر الحديث عن طي صفحة المالكي. لا كشخص، اذ صار نائباً لرئيس الجمهورية مع اثنين من خصومه هما اياد علاوي واسامة النجيفي. ولا كنهج دعمت صاحبه واشنطن وطهران قبل التخلي عنه. لكن الرهان هو علي أن يطبق حيدر العبادي البيان الوزاري: اعادة تأهيل الجيش، اقامة منظومة الحرس الوطني كرديف للجيش والشرطة في المحافظات، لا سلاح الا للدولة، ولا تراجع عن الاصرار على هزيمة داعش.
والسؤال هو: الى أي حد يستطيع العبادي مواجهة الضغوط؟ الي أي مدى تسمح له تعقيدات الوضع داخلياً وخارجياً بتحقيق الالتزامات؟ وما الذي يبقى من صورة العراق والمنطقة، ان بقي تنظيم داعش في العراق وسوريا؟