لم يكن رئيس الحكومة تمَّام سلام بحاجة إلى هذه الإطلالة التلفزيونية مساء الأحد، للحديث عن العسكريين المخطوفين، لأنَّها كانت أقرب إلى شكوى منها إلى رفع المعنويات، سواء لأهاليهم أو للبنانيين بشكلٍ عام. فالمعالجات لا تتمُّ على الشاشات، وكم كان حريٌّ به، ومن اليوم الأول على عملية الخطف، أن يتوجَّه دولته إلى تركيا ثم إلى قطر، أو بالعكس، للبحث مع قادة هاتين الدولتين في هذا الملف الشائك، باعتبار أنَّهما على اتصال بالجهات التي تقاتل في المنطقة التي وقع فيها العسكريون أسرى، وأصبحوا في عداد المفقودين.
لكن يبدو أنَّ تغليب الشكل على المضمون هو الذي قام به الرئيس سلام، ليؤكِّدَّ مرةً جديدة على عدم إمتلاك الخطة والرؤية في مقاربة الأمور والملفَّات الحساسة.
لكن ما يُعطي الأسباب التخفيفية لأداء الحكومة، هو العمل الدؤوب لبعض وزرائها والذي يُخفِّف من عيوب لا إنتاجية البعض الآخر، وعند وضع جدول الإنتاجية بالمقارنة مع عدم الإنتاجية، تبرز في مقدِّمة اللائحة أسماء بعض الوزراء الذي يُقدِّم كلُّ واحدٍ منهم دليلاً يومياً على أنَّ العمل الوزاري مسألةٌ يومية لا موسمية.
في مُقدِّم هؤلاء، وزير الإتصالات الشيخ بطرس حرب الذي منذ دخوله إلى الوزارة، حتّى ظهر أسلوبه فيها لجهة الجدية في العمل، والأسلوب العلمي في وضع الخطط وتنفيذها، سواء القصيرة الأمد أو المتوسطة أو الطويلة الأمد، وكلُّ ذلك بحسب ظروف الحكومة وقُصرِ أو طول عمرها.
بدأ بالخطوتين الأقرب إلى إهتمامات الناس:
الأولى، خفض كلفة الإتصالات كذلك خفض كلفة الإنترنت، فحقَّق بذلك رضا الناس ولا سيَّما جيل الشباب منهم، الذين تُشكِّل الإنترنت بالنسبة إليهم أوكسيجين حياتهم اليومية.
بعد هذه الخطوة إنتقل إلى التدقيق وإلى تنظيم ملفَّات وزارته، فوجد عيوباً نافرة لجهة الموارد وما هو موجود، ولاحظ الفروقات الهائلة بين ما هو موجود من أموال وبين ما هو مصروف، فلم يستبقِ الأمور ولم يُلقِ الإتهامات جزافاً، بل أحال الملفَّ إلى التفتيش ليطلب من التحقيق أن يأخذ مجراه، عملاً بالشفافية التي ينتهجها سواء بصفته النيابية أو بصفته الوزارية.
هذه الإنشغالات للوزير بطرس حرب لم تَحُل دون متابعته بعنايةٍ شديدة ملف إنتخابات رئاسة الجمهورية، وهو المرشَّح لها، لكنَّه يُدرِك بحكم عراقته السياسية وخبرته على مدى عقود، أنَّ موضوع إنتخابات رئاسة الجمهورية تتداخل فيه العوامل الداخلية بالظروف الإقليمية والإعتبارات الدولية، لذا فإنَّ هذا الملفَّ لا يُشكِّل بالنسبة إليه همّاً يومياً، بل ملفّ جدي يتعاطى معه بأقصى الإهتمام من دون أن يُلهيه عن ملفَّات وزارته وإهتمامه بشؤون الناس.
إلى الوزير بطرس حرب، يبرز وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي من بيئة سياسية غنية بالتجربة ومشبعة بالإلتزام. فمنذ دخوله إلى الوزارة إنكبَّ على الملفات الساخنة التي انفجرت في وجه البلد، فيتصرَّف في وزارته كوزير حقيبةٍ في غاية الدقّة والخطورة والحساسية، وقد نجح حتى الآن في تفكيك الألغام التي تُزرَع كلَّ يومٍ تقريباً، مستمدّاً طاقةً من التيار السياسي والوطني الكبير الذي يُمثِّله.
ومن الوزراء المنتجين أيضاً وزير العدل اللواء أشرف ريفي، الذي جعل من وزارته وزارة موقف، فلم يساير على حساب العدل ولم يتساهل، بل يمكن القول إنَّه يتمسَّك بالثوابت ولو على حساب العلاقات السياسية.
علامةٌ فارقة أخرى في الوزراء المنتِجين، هو وزير الصحة وائل أبو فاعور، الذي يقف سدّاً منيعاً في وجه المافيات الصحية والإستشفائية والصيدلانية، بحيث أنَّ عهده الوزاري شهد وضع حدٍّ للتمادي سواء بالأسعار أو بنوعية الطبابة.
وأحدث إنجازاته في مجال الوقوف في وجه المخالفات، إرسال دوريةٍ إلى سوبر ماركت T S C بعدما بثت محطة الجديد تحقيقاً عن قططٍ بين اللحوم، ما يدعو إلى الحذر والإشمئزاز، ويستدعي الملاحقة التي بدأها الوزير أبو فاعور.
لا يتَّسع المجال لتعداد جميع وزراء الإنتاج لكن بالإمكان القول إنَّ هناك حكومة مصغَّرة داخل الحكومة الفضفاضة، وهذه الحكومة المصغَّرة تُغطي في إنتاجيتها عيوب عدم إنتاجية تلك الفضفاضة، التي لا علاج لها سوى إجراء الإنتخابات الرئاسية التي يليها حكماً تشكيل حكومة جديدة، يرتاح إليها الناس وتريّح الحكومة الحالية.