IMLebanon

«حماس» تستنسخ تجربة «حزب الله» في لبنان!

 

يبدو بأن تجربة حزب الله في لبنان، باتت مصدر إلهام لكثير من الاحزاب والحركات السياسية في المنطقة. حزب الله الذي يسقط حكومات عتيدة، ويقفل مجلس النواب لفترات طويلة، ويمنع وصول رئيس للجمهورية اللبنانية إلا بعد موافقته، وله قدرة كبيرة على العرقلة في كل ما يتعلق بالنواحي السياسية والاقتصادية في لبنان… كل ذلك بقوة السلاح. هذا الحزب وتجربته في الحكم أصبحت تمثل خياراً جذاباً لحركة حماس، التي اعلنت أنها تترك الحكومة وليس الحكم. حماس قالت أكثر من ذلك، قالت إنها ليس لديها أي مخاوف من تركها للحكومة، لأنها تمتلك القوة والمقدرة الأمنية والعسكرية التي تعطيها الشرعية حتى بعيدا عن شرعية الصندوق – وتمكنها من السيطرة على الأرض، وعلى الحياة السياسية في فلسطين، وتجعل بمقدورها تحديد هوية الرئيس المقبل، وهوية البرلمان المقبل… تماما كما يفعل حزب الله في لبنان.

وبغض النظر عما سيؤول إليه مشروع – المصالحة، ومصير حكومة التوافق الفلسطينية، من حيث نسف وجودها، او استمرار عملها بطريقة عرجاء. فإن ما حدث ويحدث في غزة وتصريحات قادة الحركة تؤكد بأن حماس ستبقي سيطرتها الأمنية على قطاع غزة إلى اجل غير مسمى بقوة السلاح، وان السبب المباشر الذي يقف وراء تخلي حركة حماس عن الحكومة ظاهرياً -، هو محاولة منها للتخلص من الأعباء المالية وفاتورة الراتب لأكثر من خمسين ألف موظف في غزة وإلقائها في وجه السلطة الوطنية، تحت مسمى حكومة الوفاق الوطني. وقدمت غزوة البنوك التي قامت بها الأجهزة الأمنية التابعة لحماس لمنع موظفي السلطة الفلسطينية من تلقي رواتبهم، وإغلاق البنوك بالقوة، دليلاً واقعياً وملموساً لما ستؤول اليه الاوضاع في غزة، وطرق حل الخلافات التي تراها حماس مع شركاء الوطن وهي القوة المسلحة -.

ورغم أننا نتفق بأن ارزاق واقوات عشرات آلاف العائلات، التي تتبع لآلاف الموظفين في غزة، يجب أن لا تكون مصدراً للسجال السياسي والإعلامي بين حركتي فتح وحماس، وإنه كان لزاماً على طرفي الانقسام أن يعطوا إجابات دقيقة ومحددة عن مستقبل هؤلاء الموظفين في حال تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وليس الاكتفاء بأفكار عامة، أو وعود غامضة، لكي تنفجر ألغام المصالحة في أيامها الاولى. فإنه ينبغي التأكيد بأن حكومة الوفاق لا تملك عصاً سحرية لحل كافة المشاكل العالقة في غزة بين ليلة وضحاها، ولا تمتلك الميزانيات المخصصة لاستيعاب آلاف الموظفين الجدد على كادرها الحكومي. ثم أن السلطة تقول إنها لم تتفق مع حماس على دفع رواتب لموظفي غزة في عهد حكومة الوفاق، وأن جل ما تم التوافق عليه هو إشراف حكومة التكنوقراط – على تشكيل لجنة قانونية إدارية برعاية مصرية، لدراسة كل ملفات موظفي غزة، وإلحاقهم بالسلم الوظيفي حسب كفاءتهم، والإمكانات المتوافرة وفقا لسياسة الممكن .

ولكن حماس التي تعاني أزمة مالية خانقة، تقول إن على حكومة التوافق دفع رواتب موظفي غزة إسوة برواتب موظفي الضفة، بعد أن أصبحت حكومة الوفاق مسؤولة عن غزة والضفة بعيدا عن عمل اللجنة القانونية والإدارية، وإنها قدمت كل التسهيلات اللازمة من أجل ولادة حكومة الوفاق الوطني.

وعلى كل حال، لا يمكن قراءة ليونة حماس – الحديثة -، بعيدا عن حجم المأزق الذي تعيشه الحركة منذ سقوط الإخوان في مصر، وحجم أزمتها السياسية والمالية. ونجد شخصاً مثل القيادي الحمساوي أحمد يوسف يقر بأن التضييق والتطورات الإقليمية، دفعت الحركة إلى إجراء مراجعات شاملة لمواقفها السياسية من كافة الملفات، ووجدت بأن الحكومة تسببت في خسارة حماس لكثير من شعبيتها، وهي عبء مالي باهظ على الحركة، لذلك كانت هناك داخل حركة حماس إشارات واضحة بضرورة الخروج من الحكومة في غزة. وأضاف يوسف بأن حركته أصبحت معنية جدا باتخاذ خطوات إلى الوراء من أجل شراكة سياسية حقيقية مع فتح ومن أجل الوصول إلى الشرعية الدولية.

أما بالنسبة لحركة فتح، فمخطئ من يظن أنه بذهاب الرئيس محمود عباس في اتجاه غزة والمصالحة مع حماس، فإنه طوى صفحة المفاوضات مع إسرائيل. بل العكس هو الصحيح، فإن أبو مازن بدهائه السياسي المعروف، يذهب إلى المصالحة وعينه على عملية السلام، وخصوصا في الفترة المتبقية لولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولا نذيع سراً إذا قلنا إن محمود عباس بحاجة إلى توحيد الضفة والقطاع من أجل تقوية أوراقه عند العراب الأميركي.

وبين حركتي فتح وحماس، يوجد الشارع الفلسطيني، الذي لديه شكوك عميقة بصدد المصالحة، وخصوصا بعد تفجّر أزمة الرواتب، ولديه إحساس بأن ما يجري هو أقرب إلى نموذج إدارة الانقسام تحت مظلة حكومة الوفاق، منه إلى المصالحة الحقيقية واستعادة السلطة الواحدة والدولة الواحدة.

وبين حركتي فتح وحماس، يوجد أيضا طابور المثقفين الذين يتناولون بمرارة ما حدث في الساحة الفلسطينية، ويعتقدون أن حركة حماس أهدرت الوقت واستنزفت فلسطين وحوّلت الفلسطينيين إلى فئران للتجارب في مختبر السياسة، حين ركبت عقلها وأصرت على تشكيل حكومة برئاستها عقب فوزها بالانتخابات التشريعية السابقة، لتصل إلى النتيجة ذاتها بعد ثماني سنوات باستحالة تصدرها للمشهد السياسي الفلسطيني وقيادة الحكومة بدون شرعية دولية، وبخطاب أيديولوجي منفر.

ويتساءل أحد الكتاب الفلسطينيين، ماذا لو أدركت حماس مبكراً أن النظام السياسي الفلسطيني متعدد الشرعيات وأن شرعية منظمة التحرير تعلو على شرعية السلطة؟ وماذا لو أدركت أن نظام السلطة الفلسطينية يعطي للرئيس سلطة أعلى من الحكومة؟ لعرفت حينها أنها حصلت فقط على جزء من الشرعية الفلسطينية ولتصرفت بناء على ذلك!!!

كما يتساءل، ماذا لو التقطت حماس الفرصة التاريخية حين سقط الرئيس المصري حسني مبارك عام 2011، وكانت حركة فتح في حالة من الضعف، وحين تولى الرئيس الإخواني مرسي رئاسة مصر 2013، وكانت حماس في أقوى حالاتها لتقوم بإنجاز المصالحة!!!