IMLebanon

«حماس» متمسكة بدولة غزة وعباس يواجه جبهة «إخوانية»!

ثبت على نحو قاطع أن قرار حرب غزة لم يكن قرار منظمة التحرير (الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني)!! ولا قرار الرئيس محمود عباس (أبو مازن) والسلطة الوطنية.. ولا أيضا قرار حركة المقاومة الإسلامية حماس كحركة فلسطينية.. وإنما قرار التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» الذين أرادوا إثبات وجودهم بعدما فقدوا أول حكم لهم في مصر، وقرار «الشقيقة» قطر التي تريد تأكيد أن نفوذ الدول ليس بعدد السكان ولا بالمساحات الجغرافية، وإنما بالأموال الفائضة عن الحاجة.

وبالطبع فإن تركيا الإردوغانية، التي فقدت أحد نجومها الذي هو الرئيس السابق عبد الله غل، قد وجدت أن أسهل الطرق لتصبح صاحبة قرار رئيس في هذه المنطقة الشرق أوسطية هو ركوب موجة الإسلام الحزبي والسياسي، وارتداء عمامة الخلافة فوق الجمجمة العلمانية، وتبني القضية الفلسطينية عبر التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» وعبر حركة «حماس» التي لم تَظهر على خريطة الجهاد والعمل الفدائي إلا بعد اثنين وعشرين عاما من انطلاق ثورة فلسطين المسلحة المعاصرة.

لقد غاب «الإخوان المسلمون» بعد ثورة يونيو (حزيران) التصحيحية، غيابا كاملا عن صورة الشرق الأوسط والمنطقة كلها، اللهم باستثناء المشاغبات الدامية والتدميرية التي يقومون بها في العاصمة الليبية، وأيضا باستثناء العمليات الإرهابية التي ينفذونها في مصر، في سيناء تحديدا، ولذلك فإنهم، أي «الإخوان»، ولاستدراج الأضواء إلى أنفسهم مجددا وليستعيدوا أمجادا ظنوا خلال رئاسة محمد مرسي القصيرة العمر أنها ستبقى في أيديهم إلى الأبد، لجأوا إلى حركة «حماس» التي يعتبرونها ذراعهم العسكرية، وهي كذلك، ولجأوا إلى الدم الفلسطيني ليكون وسيلتهم إلى الظهور مجددا وفرض أنفسهم كلاعب رئيسي في هذه المنطقة.

ثم ولأن بنيامين نتنياهو كان بانتظار من يستدرجه لشن حرب جديدة على غرار حرب 2008 – 2009، وحرب عام 2012، فإنه قد بادر إلى الاستجابة وفورا إلى عملية الاستدراج الذي لجأت إليه «حماس»، والذي كان في واقع الأمر قرارا «إخوانيا» وقرارا إقليميا، وليس قرارا فلسطينيا، والذي بدأ حقيقة باختطاف الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم، مما أشعل نيران حرب غزة الأخيرة.

وكذلك، وكما أن الهدف من استدراج الإسرائيليين إلى هذه الحرب، التي كانوا ينتظرون استدراجهم إليها، كان إعادة تلميع الإخوان المسلمين وإظهار أنهم لا يزالون يشكلون رقما رئيسيا في المعادلة السياسية في مصر وفي الشرق الأوسط، فقد كان الهدف أيضا إنهاء منظمة التحرير والقضاء على السلطة الوطنية وتهميش حركة فتح، وإحراج النظام المصري الجديد، والدليل هو الإسراع في اعتراض مبادرة وقف إطلاق النار المصرية بتلك المبادرة الفاشلة المعروفة التي هي في حقيقة الأمر مبادرة «إخوانية» – قطرية – تركية.

ولهذا فإنه لا بد من القول مرة ثانية وثالثة وألف مرة إن حرب غزة الأخيرة لم تكن حربا فلسطينية، والمقصود هنا هو القرار والاستدراج وليس بطولات الشعب الفلسطيني العظيم التي تستحق الإشادة والتقدير، وإنه لا علاقة للسلطة الوطنية ولا لمنظمة التحرير ولا للرئيس محمود عباس بهذه الحرب، والدليل هو أن حركة حماس، بعد ضمان وقف إطلاق النار الذي استجْدته استجداءً والذي اعتبرته انتصارا ما بعده ولا قبله انتصار، قد تصرفت وكأن حكومة «الوفاق الوطني» غير موجودة، وكأن كل هذه الأطر الشرعية الفلسطينية الآنفة الذكر لا وجود لها، وعلى أساس أن قرار الحاضر والمستقبل هو قرار التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» وقرار الدول المؤازرة والداعمة لهذا التنظيم الذي انضم إليه وإنْ متأخرا رجب طيب إردوغان.

لقد فشل قرار وقف إطلاق النار الذي جرى تحديده بشهر واحد، والذي قد يتحول إلى «هدنٍ» متلاحقة بلا نهاية، في تحقيق أي من المطالب التي تمسكت بها حركة حماس خلال المفاوضات، ومن بينها تشغيل مطار غزة واستكمال مينائها وتوسيع المياه الإقليمية ستة أميال أخرى، والمعروف أن هذا القرار قد تحدث عن أن السلطة الوطنية هي المسؤولة عن إعادة إعمار القطاع المدمّر، وعن أنها هي من سيتولى الإشراف على معابر هذا «القطاع»، وبخاصة معبر رفح، وهذا يعني أنه كان على حركة حماس أن تبادر إلى الانضواء، سياسيا وعسكريا، في إطار منظمة التحرير وفي السلطة الوطنية.. لكن هذا لم يحدث، والواضح أن هذا لن يحدث، وأن كلام الليل قد محاه النهار، وأن ما كان قائما قبل هذه الحرب سيبقى قائما، وأن كل التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني سوف تذهب سدى كما ذهبت سدى تضحيات عظيمة سابقة.

وهنا تجدر الإشارة، ونحن بصدد الحديث عن المعابر وعن الدور الذي من المفترض أن تلعبه السلطة الوطنية في غزة، إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعد الرئيس محمود عباس بتدريب وإعداد ألف رجل أمن فلسطيني من التابعين له للإشراف على معبر رفح تحديدا، لكن وبما أن واقع الحال هو هذا الواقع فمن يضمن لهؤلاء أن يزاولوا مهامهم بالفعل، وأن يقوموا بالواجب الذي سيوكل إليهم إذا بقيت الأوضاع في «القطاع» على ما كانت عليه، وإذا استمرت «دولة حماس» كما كانت عليه، وإذا واصل التحالف «الإخواني» السعي للقيام بانقلاب في الضفة الغربية على غرار الانقلاب العسكري الدامي الذي قامت به حركة المقاومة الإسلامية في عام 2007؟

وحقيقة فإن «حماس» كما هو مؤكد لن تقبل إلا بوجود «ديكوري» وشكلي للسلطة الوطنية في قطاع غزة وعلى نحو يؤمن لها، أي لحركة المقاومة الإسلامية، استمرار تدفق رواتب نحو سبعين ألف موظف من الموازنة في رام الله، ويؤمن لها أيضا شرعية تدفق مساعدات إعادة الإعمار المنتظرة على اعتبار أنها، أي هذه السلطة، جهة رسمية معترف بها كدولة فلسطينية.. وهكذا فإن كل شيء سيبقى في حقيقة الأمر على ما هو عليه، وأن الانقسام سيبقى هو الانقسام، والجديد هو أن «التحالف الإخواني» بقيادة خالد مشعل سيتجه إلى الضفة الغربية ليفعل فيها ما فعله في قطاع غزة في عام 2007، ولينهي، ربما بالتعاون والتنسيق مع الإسرائيليين ومع الأميركيين أيضا، الرئاسة الفلسطينية والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير وحركة فتح.

إن المعروف أن وجود «حماس»، التي وجدت في عام 1987 كمشروع للتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين»، في الساحة الفلسطينية وفي الشرق الأوسط كله، هو وجود إلغائي، ولذلك فإنها لا تزال تعتبر نفسها البديل لمنظمة التحرير وللسلطة الوطنية، وأنها لم تتحالف جديا وفعليا مع أي تنظيم آخر حتى بما في ذلك حركة الجهاد الإسلامي.. والمؤكد أن الرئيس محمود عباس يعرف كل هذا جيدا أكثر من غيره، وأنه أدرك بعد تلك المواجهة السياسية الساخنة الأخيرة مع خالد مشعل ونائبه موسى أبو مرزوق في الدوحة أنه لا أمل بأي شكل من أشكال الوحدة الوطنية مع هذه الحركة، وأن عليه أن يركز على تصحيح الأوضاع الداخلية في حركة فتح وفي السلطة الوطنية، وأن يعيد النظر في كل شيء.. إن عليه أنْ يمتِّن العلاقات مع مصر وكل الدول العربية المناوئة للمشروع «الإخواني» في المنطقة.. وكل هذا مع ضرورة المزيد من دقة الحسابات بالنسبة للتعاطي مع العملية السلمية ومع «المفاجأة» التي يجري الحديث عنها في اتجاه مجلس الأمن الدولي.