مع أن الدعوة التي وجهها أحد قادة «حماس» إلى «حزب الله» لفتح جبهة جنوب لبنان تدخل في إطار «إحراج» الحزب الذي، في رأي الحركة الإسلامية، يتفرج على الوضع في غزة من دون أن يحرك ساكناً، إلا إنها تعكس واقع تعامل الطرفين مع لبنان واللبنانيين، واستهتارهما المشترك بسيادة هذا البلد ومصالحه ورغبات شعبه.
فالسيد أبو مرزوق الذي صرح لوكالة أنباء روسية (نوفوستي) ورثت اسمها من العهد السوفياتي، لا يعتبر كما هو واضح أن هناك في لبنان دولة، ولو ينقصها قسراً رئيس للجمهورية، وحكومة ومجلس نواب، وأهم من ذلك كله، شعب يفترض أن يقرر ماذا يريد ومتى يريده. بل يرى أن «حزب الله» هو من يتخذ قرار الحرب أو السلم، وأن بيده المبادرة إلى «إغاثة» غزة التي تتعرض لعدوان إسرائيلي، وتخفيف الضغط عنها عبر فتح جبهة عسكرية جديدة، أياً تكن انعكاسات ذلك على لبنان بأسره، وجنوبييه خصوصاً.
وعلى غرار اللبنانيين، خبر أبو مرزوق وحركته التي كانت لا تزال جالسة في حضن دمشق، كيف تفرّد الحزب بافتعال حرب تموز (يوليو) 2006 وانعكاساتها السلبية الكبيرة على لبنان، لأنه قرر الرد على إخراج الجيش السوري منه بوضع مصير البلد كله في مهب الريح، وإعادة آليات التدخل السوري المباشر في شؤونه عبر فتح الحدود على مصراعيها أمام إمدادات السلاح، وإضعاف مؤسساته السياسية التي أفلتت للتو من أيدي السوريين، وربط قراره بالمصالح السورية والإيرانية المباشرة.
ولهذا اعتبر القيادي الفلسطيني أن الحزب قادر على تكرار التجربة السيئة الذكر، وأنه إذا كان صادقاً في مواقفه الإعلامية عن دعمه «حماس» واستعداده للتعاون معها في المعركة الحالية مع إسرائيل، فليبدأ حرباً جديدة «وهو القادر على فعل الكثير».
ولم لا؟ فالحركة المسيطرة على قطاع غزة تفعل هي أيضاً الأمر نفسه مع الغزيين الذين لم تستشرهم بالتأكيد عندما اتخذت قراراً بخطف الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم، على رغم علمها أن ذلك سيجر حرباً عليهم. كما أنها لا تستشيرهم حالياً عندما ترفض عروض وقف إطلاق النار العربية والدولية بحجج مختلفة، فيما هم يعانون.
ومع أن إسرائيل تتحمل وحدها المسؤولية القانونية والإنسانية والجرمية عن القصف الوحشي الذي يتعرض له القطاع، وقتل المئات من المدنيين وتدمير المرافق والمنشآت والمنازل، فإن ذلك لا يعفي «حماس» من المسؤولية السياسية والمعنوية عما تسببت به لشعبها المقهور، سواء في الحرب الحالية أو خلال ما قبلها، وما ستظل تتسبب به بعدها.
معلوم أن العلاقة بين الحزب والحركة تمر حالياً في مرحلة تجاذب، بعد خلافهما المعلن حول الموقف من النظام السوري، واختيار «حماس» الخروج من دمشق إلى الدوحة واختيار الحزب المشاركة المباشرة في الدفاع عن نظام بشار الأسد، وفشل المحاولات الأخيرة لإعادة التقارب بينهما، خصوصاً بسبب تعليمات طهران الواضحة إلى «حزب الله» بضرورة الامتناع عن أي عمل عسكري ضد إسرائيل في ضوء المفاوضات الإيرانية – الأميركية، والتي تم التشديد عليها خلال زيارة أخيرة قام بها إلى بيروت نائب وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان.
وجاء إعلان الأمين العام للحزب في احتفال الجمعة الأخير من رمضان بأن غزة «انتصرت» في الحرب، ليعني أنه لا حاجة لأي تدخل من جانبه. لكن على رغم هذا التباعد، لا يزال يجمع بين الطرفين تطابق في الاستخفاف بحياة الناس في المناطق الخاضعة لنفوذهما، أي غزة ولبنان، ذلك أن كليهما يعتبران أنه كلما ارتفع عدد القتلى كلما كان «الانتصار» أكبر.