لم يتوقّع أحد حصول مفاجآت رئاسية في جلسة أمس، لا بل إنّ هذه المفاجآت غير قابلة للحصول الأربعاء المقبل، وهو الموعد الثالث الذي حدّده رئيس المجلس النيابي نبيه برّي لانتخاب الرئيس الـ 13 للجمهورية اللبنانية. ذلك أنّ المعطيات ما تزال غير مكتملة، ما يعني أنّ الظروف ما تزال بحاجة للمزيد من الوقت لكي تنضج.
لقد أنهى «بالون» ترشّح الدكتور سمير جعجع وظيفته مع رفعِ الجلسة الأولى والتي كانت أشبه بـ«بروفا» منه إلى جلسة جدّية. جلسة كانت فعلياً لمصلحة النائب وليد جنبلاط وتأكيد موقعه «بيضة قبّان» راجحة، خصوصاً بعد استعادته النائب مروان حمادة أحد أبرز رموز فريق 14 آذار، إضافةً إلى رفاقه الذين كانوا قد تمرّدوا على طاعته سابقاً ولو من الناحية النظرية.
وفي تلك الجلسة أيضاً ظهر تأييد سنّي لجعجع، ولكن على مضَض، وهو ما يفسّر عدم الالتزام، إلى حدّ تراجُع الأصوات الـ 48 مضافاً إليه الشغب الإعلامي الذي مارسه، خصوصاً النائب كبّارة، وهو ما دفع بالنائب أحمد فتفت إلى المبالغة في دعم ترشيح جعجع إعلاميّاً، في محاولة لإخفاء الفجوات السنّية.
والواضح أنّ النائب ميشال عون الذي تجنّب الوقوع في فخّ الدخول إلى الحلبة على أساس المواجهة بينه وبين جعجع، تمهيداً لشطبهما معاً من السباق الرئاسي وفق معادلة التوازن، اختار أن يستمرّ في حواره المثير مع الرئيس سعد الحريري مع تفاوت التوقّعات حوله.
أخصام عون، ولا سيّما منهم مسيحيّو 14 آذار، وفي طليعتهم «القوات اللبنانية» ينعون سلفاً نتائج هذا الحوار، مع الإكثار من ترداد مواقف عون السابقة من الحريري («الإبراء المستحيل» وغيره) فيما بدا أنّه تذكير للحريري أكثر منه انتقاداً لعون. أمّا مؤيّدو عون فيغمرهم التفاؤل بالتوصّل إلى خاتمة سعيدة ستعيدُه إلى قصر بعبدا للمرّة الثانية، ولكن هذه المرّة بثوب الرئاسة. كلّ ذلك وسط صمت حزب الله المطبق، وقلق جنبلاط خشية فقدان موقعِه الممتاز، وهو ما دفعه لإيفاد الوزير وائل ابو فاعور الى السعودية مرّتين خلال ثلاثة أيّام في مهمّة الاستعلام عن مدى جدّية المفاوضات الدائرة مع عون.
خلال حلقات التواصل التي حصلت سابقاً بين قيادتي «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» تمّ التطرّق إلى أمور جوهرية وفي العمق، كمثل بعض البنود الواردة في «اتّفاق الطائف» والتي ظهر أنّها تثير إشكالية كبيرة بنتيجة الممارسة الحاصلة في السلطة منذ العام 1995. إضافةً إلى مسائل أخرى تطاول النظرة الى مستقبل البلاد على الصعيدين السياسي والاقتصادي، خصوصاً أنّ لبنان يستعدّ لدخول نادي الدول النفطية. كذلك الرؤية حول سلاح حزب الله والذي يتمسّك التيار الوطني الحر بالفصل بين إخضاع كلّ الساحات لسلطة الدولة المطلقة والمحافظة على قيمة المقاومة وسط التوازنات والمعادلات الإقليمية التي تبقى إسرائيل أحد أطرافها الأساسية.
بالتأكيد إنّ هذا الحوار له معناه الكبير على مستوى الاستحقاق الرئاسي. كذلك لم تكن واشنطن بعيدةً عن مجراه عبر إطلاع السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل على بعض جوانبه، وهو ما جعلَ هيل، إضافةً إلى عدد من المسؤولين الأميركيين، يؤيّدون فكرة وصول عون إلى قصر بعبدا.
ولكن ما تزال تقف أمام ذلك عقبتان، ظهرَتا في الاجتماع الأخير في باريس بين الحريري والوزيرين جبران باسيل والياس ابو صعب، الأولى داخلية وتمّ الحديث عنها مباشرةً ومفادُها «أنّنا حقّقنا خطوات كثيرة إلى الأمام، لكن لا بدّ من التشاور مع القاعدة والحلفاء لتأمين الغطاء الداخلي المطلوب»، والثانية إقليمية وتتعلق بالضوء الأخضر السعودي، والذي لم يتأمّن بعد ولو أنّ ذلك لم يتمّ التطرّق إليه مباشرةً وفي وضوح، لكن في اللقاء ظهر تمسّك الطرفين باستمرار العلاقة بينهما، لا بل تحسينها، على قاعدة النقاش الذي حصل وتثميره مستقبلاً.
صحيحٌ أنّ الطرفين توافَقا على عدم الدخول في مرحلة شغور الكرسي الرئاسي، إلّا أنّ ذلك يبقى في الإطار النظري طالما إنّ الاتفاق الكامل حول الانتخابات الرئاسية لم يتحقّق.
لذلك، ووفق ما تقدّم، فإنّ الدعوة الثالثة التي أعلنها برّي تبقى صوَرية حتى الآن، لكن صحيح أنّ البعض يراهن على حركة الداخل فقط لإنجاز التفاهم الكبير، إلّا أنّه يغيب عنه «الوحي» الإقليمي والذي يبقى الأهمّ. فالحوار السعودي – الإيراني والذي بدأ عبر سلطنة عمان يحمل ملفّات كثيرة وثقيلة معقّدة، كالعراق وسوريا والحوثيين عند الحدود اليمنية مع السعودية والشيعة في السعودية والبحرين والكويت ومشكلات أخرى لا تقلّ تعقيداً.
وتبقى الساحة اللبنانية ملفاً بين ملفات أخرى أكثر خطورةً. وهنالك من يقول إنّ الرياض أبلغَت إلى وزير الخارجية العماني بأنّها تريد إثباتاً إيرانيّاً حول الجدّية في التفاوض. صحيح أنّ تأليف الحكومة اللبنانية يوضَع في هذه الخانة، لكنّها إشارة بسيطة لا بدّ أن تواكبها إشارات أخرى. في المقابل تبدو طهران كمن ينتظر جواباً على رسالتها اللبنانية، في ظلّ المكاسب الكبيرة التي حقّقتها على الأرض.
ومن هنا ينطلق المتشائمون ليردّدوا: «لا رئاسة قبل نهاية الصيف»