«جواسيسك يوم تشريفك عملولك دقة وزار تتقصّع فيه المومس والقارح والمندار والشيخ شمهورش راكب عَ الكوديا وهات يا مواكب وبواقي الزفة عناكب ساحبين من تحت الحيط ما هو مولد ساير داير شيلاه يا صحاب البيت» أحمد فؤاد نجم
ورد في وكالة أنباء «سانا» السورية ما يلي: «وصل إلى حلب وفد نيابي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمراقبة الانتخابات الرئاسية». في اليوم التالي للانتخابات سيصدر عن اللجنة البيان التالي: «لقد أجريت الانتخابات في سوريا الشقيقة بهدوء تام وتوافد المواطنون السوريون بالملايين للتعبير عن رأيهم بكل حرية«.
أمّنت لجان الحرس الثوري والشبيحة المعابر عبر خطوط التماس في حلب، فزحف الناس من الطرف الآخر للمدينة استجابة لنداء الرئيس بشار ليعبّروا عن رأيهم بكل صراحة، فعبّروا عن إعجابهم بإنجازات الرئيس ووالده من قبله معتبرين أن البراميل المتفجرة التي ألقيت على بيوتهم وقتلت أطفالهم إنما هي جزء من مشروع كبير لإعادة إعمار المدينة التي أصبحت قديمة وأصبحت الجوامع والكنائس والقلعة تعبّر فقط عن عصور الاستبداد، كما أنهم عبّروا عن إعجابهم بالعدالة والمساواة التي يتمتّع بها الرئيس لأن براميله لم تفرّق بين مسلح أو مسالم وكانت أيضاً لا طائفية..
وقد شجّع المواطنون الرئيس القادم على الاستمرار في نهج بشار واستكمال مشروع التدمير المنهجي للبيوت والأحياء القديمة وهم يعتذرون عن غباء أولادهم الذين سحقتهم البراميل لأنهم بقوا في البيوت، ولو عرفوا مسبقاً أن هذه البيوت كانت تزعج الرئيس وتؤذي نظره، لكانوا دمروها على حسابهم الخاص…
تقارير مماثلة سترسلها بعثات نيابية أخرى عريقة في التقاليد الديموقراطية وفي احترام حقوق الإنسان وهي كوريا الشمالية وموزامبيق وروسيا.
بشار ليس أول المستبدين الذين يفوزون بثقة شعبهم قبل أيام من انهيار سلطتهم.
لا يختلف مظهر سوريا اليوم عن مظاهر بلدان أخرى كان فيها مستبدون يشبهون قلباً وقالباً بشار الأسد، من أدولف هتلر إلى تشاوشيسكو ومن عيدي أمين إلى صدام ومن القذافي إلى زين العابدين بن علي، ومن هولاكو إلى تيمورلنك. كلهم لو نظموا انتخابات في أواخر أيامهم قبل السقوط الكامل لأنظمتهم لكانت النتائج واحدة، تأييد يفوق المئة بالمئة لحكمة وصلابة وعبقرية وإنسانية ووطنية القائد الأب الرحيم العادل الصامد الممانع…
ولكن كل تلك الصفات الحميدة كانت تكنسها مشهدية اليوم التالي للسقوط عندما تتقاطر الجماهير نفسها التي زحفت في اليوم السابق لتجديد البيعة، لتتساقط تماثيل الزعيم الخالد فيتحول قفا عنقه مضرباً للأحذية، ومن ثم يتحول المكان إلى دورة مياه عمومية.
بالعودة إلى مشهدية المسرحية الانتخابية الطويلة في سوريا ولبنان، لا شك أن الهدف المطلوب قد تم تحقيقه على الأقل عند جزءٍ من اللبنانيين. لقد انطبع في ذهن الناس أن زحف اللاجئين إلى سفارة بشار هو للتأكيد على شعبية النظام وعلى بطلان المعارضة أو على هزالها، أو على حصره في قلة ضالة أو عملية أو متطرفة… من الشعب السوري.
الانطباع الثاني الذي تم تظهيره أيضاً هو أن المعارضة المسلحة هي جزء من مؤامرة أممية دفعت بعشرات آلاف (وبعض الممانعين يقولون ملايين) الإرهابيين والمتطرفين والانتحاريين إلى سوريا، وأن هؤلاء يفوقون في فظائعهم ما يقوم به بشار من أعمال قمع دموية.
الانطباع الثالث هو أن نظام الأسد على مدى أربعة عقود ونصف تمكّن من نشر النظام والازدهار وبنى الطرقات وأسس نظام العدالة الاجتماعية وحمى التعدد الطائفي، على حساب الحريات السياسية، في حين أن الثورة أتت على كل الإنجازات وقضت على الحريات الدينية والسياسية معاً.
الانطباع الرابع هو أن بشار وأدواته لا يزالون يمسكون بزمام المبادرة في معظم الداخل السوري، وفي لبنان بالذات، بدليل تنظيم عراضات وتظاهرات في شوارع تحررت من التشبيح بعد نيسان .
هذه الانطباعات منطقية، ولكن الانطباع في عالمنا الذي تحكمه الصور لا الوقائع والشعارات لا الدراسات، قد يدفع الأكثرية الساحقة من الناس إلى الأخذ بالانطباع من دون البحث أو التدقيق.
أما بعد البحث والتدقيق فالوقائع هي ما يلي:
أولاً: إن كان في سوريا بحسب بيان وزير الداخلية خمسة عشر مليون ناخب، فكم من هؤلاء سيتمكنون من بلوغ صناديق الاقتراع في ظل الحرب والحواجز والانقسامات الجغرافية والبراميل المتفجرة، وكم من المعارضين سيصوتون ومن هي الهيئة التي ستحصي، وعن أي لجنة ستصدر النتائج، وهل ستكون كوريا الشمالية العريقة في التقاليد الديموقراطية الحكم على النزاهة؟!
أما في مشهدية الزحف نحو السفارة في لبنان، فقد كان واضحاً تقصد المنظمين إثارة أكبر قدر من الجلبة حول الزحف، وبغضّ النظر عن الضغوط التي مورست من قبل أحزاب الممانعة في لبنان على بعض الزاحفين، فقد تكون هناك ضغوط مماثلة مورست في المقابل لمنع بعض الزحف! ولكن، وبموضوعية، فإن أعداد الزاحفين وتركيبتهم وقدرة السفارة على الاستيعاب تؤكد أن أقل من عشرين بالمئة ممن يحق لهم الاقتراع في لبنان قد زحفوا إلى السفارة مع الافتراض بأنهم جميعهم صوّتوا بنعم للأسد.
أما الحقيقة الثانية فهي أن من وصلوا إلى السفارة لم تكن تنتظرهم لوائح شطب ولا عوازل للانتخاب، بل كانت المشهدية مجرد توقيع عريضة بأسماء غير موثقة، ولم يكن هناك مانع من تصويت الزاحف نفسه مرات عدّة، ولم يعرف أحد جنسية المقترع إن كان سورياً أم عراقياً أم إيرانياً أم لبنانياً!
في الانطباع الثاني حول المؤامرة، فإن أطرف تحليل سمعته من امرأة طيبة وإنسانية ومحترمة وعلوية هو أن أطفال درعا الذين أطلقوا شرارة الثورة في سوريا هم «عملاء مدسوسون تم التغرير بهم، وكذلك كانت التظاهرات الكبرى والشعارات السلمية وأغاني الثورة وأهازيجها، كلها كانت صنيعة إسرائيل». قبلت السيدة نفسها منطق أن رئيساً عنده ذرة من الضمير كان سيستقيل إفساحاً بالمجال أمام انتخابات حرّة، ولكنها قالت في المقابل إن «الانتخابات الحرة كانت ستقسم سوريا إلى دويلات؟». فقلت لها: «لذلك فقد قرر بشار تدميرها ثم تقسيمها؟!»
أما عن الفظائع، فيمكن أن نستعرض ما قام به نظام الأسد الاب والابن لنرى مجازر حماة ومجازر السجون والصراعات والإعدامات، ونرى المذابح بحق السوريين والفلسطينيين واللبنانيين، ونراجع كيف استقدم النظام نفسه عشرات الآلاف من المتطرفين لتصديرهم إلى العراق وكيف حمى الإرهاب تحت شعارات مواجهة الاحتلال فأصبحت طرق الإرهاب سالكة إلى سوريا.
لا أريد أن أفترض حلفاً موثقاً بين بشار وهذه المجموعات، ولكن يكفي أن نرى كيف استفاد السفاح الأكبر من فظائع المتطرفين لنفهم أن حلفاً موضوعياً يجمع الاثنين وهما على كل الأحوال يستخدمان أساليب متشابهة.
الانطباع الثالث حول الاستقرار والازدهار، فهو مسألة تتجاهل الصراعات الطويلة بين أهل البيت الواحد والدسائس والمؤامرات التي تشبه ما يعرض اليوم على الشاشات في مسلسل «حريم السلطان». أما عن الازدهار فقد بقي الاقتصاد السوري، على الرغم من وهم الاستقرار المدعم بالقمع، يقبع في أدنى مستويات العالم، وبقيت المبادرة الفردية مرهونة للفساد، ووضعت الثروة الوطنية، على ضعفها، في يد أنسباء الرئيس.
أما عن واقع الدمار اليوم المقرون مع قمع الحريات بسبب الثورة، فلم تكن للثورة أن تندلع لولا تصرفات النظام ولولا الظلم والقمع والفساد، وفي الوقت نفسه فقد كان بإمكان النظام تفادي ذلك كله من خلال الخروج من السلطة، يعني أن دمار سوريا معنوياً وفعلياً وتسرّب التطرّف والإرهاب إليها سببهما بشار بالذات.
أما الانطباع الرابع حول أن زمام المبادرة هو بيد بشار، فالكل يعلم أن من يقود الدفة في سوريا ولبنان والعراق فعلاً هو الولي الفقيه وأدواته، وأنه لولا دعم الميليشيات المتعددة التابعة له لما صمد بشار وشبيحته، وأن التظاهرات المعيبة في لبنان من يوم الثامن من آذار إلى يوم الزحف الانتخابي، مروراً بالاغتيالات والمتفجرات والتعطيل والفراغ، ما هي إلا نتاج الولي الفقيه، أما بشار فهو مجرد أداة يتم المتاجرة بها.
إن كل الثورات في العالم تأتي نتيجة لانعدام إمكانية التسوية، وكلها قد تدمّر ما بني من مفيد أو مضر من دون تفريق، وتمر عادة بمرحلة متفاوتة من عدم الاستقرار، وقد تمر في مراحل مد وجزر، لكن حركة التاريخ تؤكد أن عودة الماضي من ضروب المستحيل.
غداً في يوم قريب لن يبقى في الأذهان إلا تماثيل تتحول إلى دورات مياه، ومواطن يقترع في مستوعب قمامة عليه اسم بشار الأسد.
()عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل»