من حيث أراد رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون ان يكحلها فقد عماها…
انتظر اللبنانيون موعد المؤتمر الصحافي لجنرال الرابية،وفد مهّد له قبل يوم، وزير التربية الياس بو صعب باعلانه «ان عون سيعلن تصوراً معيناً لاخراج لبنان من مأزق الفراغ الرئاسي» آملاً في ان «يشكل ذلك خطوة على طريق التوافق بين المسيحيين وصولاً الى انتاج رئيس جديد…»؟!
من أسف، ان الوزير بو صعب لم يكن اطلع على مضمون البيان الصحافي للجنرال البرتقالي، ويقينا أنه لو اطلع، لما كان ورّط نفسه بهذا التقديم. حيث حمل البيان – التصور الشيء ونقيضه في آن واحد، وكشف ان ادعاء اللاطائفية التي يقدم بها «التيار الحر»، و«التكتل» لا يمت الى الواقع بصلة، حيث بدا ان المحرك الأساس للجنرال عون، وما يقلقه ويشغل باله، ولا يدعه ينام الليل هو «المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين»، التي من دونها «ستقع في خلل بالميثاق الوطني»…
بدايةً، فإن «التصور» العوني لاخراج لبنان من مأزق الفراغ الرئاسي، جدير بالتوقف عنده، وبعيداً عن الانشائيات التي حفل بها، فإن اقتراح «جعل انتخاب الرئيس الماروني (لم يقل اللبناني) مباشراً من الشعب» هو خطوة متقدمة، لكن عون سرعان ما طعن هذا الاقتراح بأن ربطه «بدورة تأهيلية تجري على مستوى الناخبين المسيحيين» يصار بعدها الى اجرائها على المستوى الوطني (أي مجموع الطوائف)، وتكون محصورة بين الفائزين الاول والثاني في دورة الاقتراع التأهيلية…». لا لشيء إلا لأن الجنرال عون يريد ان «يجعل الدور المسيحي وازناً في عملية الانتخاب وتهديد الخشية من هيمنة الصوت المسلم عليها… علماً ان هذه الخشية ليست مبررة في ظل التعددية السياسية…» على ما يقول هو نفسه.
ولتزداد صورة ترسيخ الطائفية في نظام ابتلي على مدى التاريخ بالطائفية والتحزبات الدينية، فقد أراد الجنرال عون ان يكمل المشهد، قافزاً فوق كل ما تعرّض له لبنان ولايزال، ليعود ويقدم تصوره، او اقتراحه لقانون الانتخابات النيابية «يحقق المناصفة بين المسيحيين والمسلمين». الذي «لا يمكن التوصل اليه إلا من خلال انتخاب كل طائفة لنوابها في الندوة البرلمانية»؟!
فإلى ما يقود اليه هذا الاقتراح، الذي يبدو ان الجنرال عون متمسك به، وهل يقود فعلاً الى «العدالة المطلقة لجميع الطوائف فيعزز الشعور بالطمأنينة في ما بينها ويؤمن الاستقرار…».
قد يكون من القفز فوق الوقائع والمعطيات الادعاء يمثل هكذا خلاصات… يكفي ان الاقتراح المذكور اعلاه، انه يعيد لبنان الى كونفدرالية الطوائف والمذاهب، وينزع عنه صفة الدولة المدنية التي وحدها قادرة على ان توفر الطمأنينة والعدالة والمساواة بين أبنائها… ولمجرد ان فكر الجنرال بالعودة الى هذا المشروع يتبدى كم ان لبنان بات فعلاً في خطر حقيقي… فبدل ان يضع ثقله باتجاه القانون الشامل، الذي يجعل من لبنان دائرة انتخابية واحدة، وعلى أساس النسبية، ها هو يدفع باتجاه تقسيم لبنان، واعادة تكوينه على أساس من الكيانات الطائفية والمذهبية، التي لا يمكن ان توفر الحد الأدنى من الطمأنينة والسلامة والمساواة والعدالة…
والذي يظهر ان دفاع العماد عون عن هذا الاقتراح، واعتبار أنه «ادعاء خاطىء، الادعاء بأن مثل هذا القانون يرسخ الطائفية في المجتمع اللبناني». يحتضن في عقله الباطن ما لا يمكن ان يوفر الحد الأدنى من الطمأنينة والاستقرار والعدالة بين اللبنانيين…
لقد أسقط الجنرال عون عن اللبنانيين صفة المواطنة، وأراد اعادتهم الى انتماءات وكيانات، لم تجلب على لبنان، وعلى أي بلد شبيه بتكوينه مع لبنان، غير الصراعات المتتالية، والحروب الداخلية المتواصلة، وفتح الأبواب واسعة أمام التدخلات الخارجية التي أحكمت قبضتها عبر التسلل الى هذه الطائفة او تلك…
لقد أثبتت الكيانات الطائفية والمذهبية والاتنية أنها كيانات لا توفر الحد الأدنى من الاستقرار والأمان والعدالة… فكيف يريد رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» ان يوفق بين الشعار الذي يحمله «تغيير» و«الاصلاح»، إلا اذا كان التغيير نحو الأسوأ و«الاصلاح» مجرد معزوفة شأنها في هذا شأن «معزوفة تهميش المسيحيين…» الذين سيجدون أنفسهم في موقع الأكثر ضرراً مع الكيانات الطائفية والمذهبية…
من اسف أيضاً وأيضاً ان الجنرال عون، وهو أحد المتهمين الأساسيين بتعطيل إجراء الانتخابات الرئاسية، لم يعطِ جوباً عن الأسباب الحقيقية التي تدفعه الى مقاطعة جلسات مجلس النواب المخصصة لهذه الانتخابات وهو الذي سعى قافزاً فوق كل الاعتبارات من أجل صفقة مع سائر الافرقاء توصله الى بعبدا، حيث تسقط هناك كل التحفظات…
إن «المبادرة» التي جرى تقديمها على أنها «انقاذية» لم تكن في الواقع أقل من تدميرية لما يمكن ان يكون تبقى في «دولة كونفدرالية الطوائف» المقنعة… فليس بمثل هكذا اقتراحات نتفادى الشغور في سدة الرئاسة… وهي اقتراحات أقل ما يقال فيها «انها نحر للمواطنية» وطعن «لوحدة الحياة بين اللبنانيين» وتخل عن أساس وقيم الحياة الواحدة…