تختلف الأولويات السياسية لقوى 14 و8 آذار في المرحلة الحالية، فعلى الرغم من جلوسهم على طاولة حكومة «المصلحة الوطنية» وبذلهم جهوداً حثيثة لتدراك انفراط عقدها، نتيجة الخلافات القائمة بينهم على أكثر من ملف، إلا أن هذا الاختلاف يظهر بصورة أكثر وضوحاً حول استحقاقي انتخاب رئيس جديد للجمهورية ودور المجلس التشريعي في ظل الشغور الرئاسي. وإذا كان الرسم البياني لمواقف الطرفين يظهر تبايناً عمودياً في النظرة الى الاستحقاقات الداخلية والاهتزازات الأمنية وتأثيرات ما يجري في المنطقة على لبنان، إلا أن ما يمكن استخلاصه من المواقف أن هناك تغيراً حصل في الأولويات بين الطرفين. ففي وقت تشدد قوى 14 آذار على ضرورة الحوار لإيجاد قواسم مشتركة في الملفات العالقة وأولها الاستحقاق الرئاسي، فإن تراتبية الأولويات تغيرت عند قوى 8 آذار، وتبدأ بالحفاظ على حقوق المسيحيين وتتدرج الى محاربة الإرهاب وإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية، بمعنى أنهم لا يريدون الخروج من منطقة المراوحة الصفراء التي يعيشها لبنان، الى منطقة التصعيد الحمراء التي تعيشها المنطقة بانتظار جلاء المشهد الإقليمي وما يحمله من تسويات داخلية وإقليمية.
بالنسبة الى تيار «المستقبل« وقوى 14 آذار الأولوية في المرحلة الراهنة، بحسب عضو كتلة «المستقبل« النيابية النائب عمار حوري «هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن هذا الأمر أولوية وطنية ودستورية في آن معاً، ويأتي في المرتبة الثانية إجراء الانتخابات النيابية، وخلال هذه المرحلة تدعيم وتفعيل العمل الحكومي خدمة للناس وحرصاً على تسيير شؤونهم إذ لا يجوز التعطيل».
ويلفت عضو الكتلة النائب أمين وهبي «إلى أن التيار يعبر عن هذه الأولويات من خلال كلام الرئيس سعد الحريري أو مواقف الكتلة، لأن انتخاب رئيس للجمهورية يعني انتظام عمل المؤسسات وحماية السلم الأهلي وإجراء الانتخابات النيابية، وإذا كان انتخاب رئيس جديد متعذراً الى اليوم فذلك لأن هناك أطرافاً سياسية تتحمل مسؤولية عدم انتخاب رئيس، وتحديداً حزب الله والتيار الوطني الحر اللذان يضعان شروطاً على المجلس النيابي إما لتبني مرشحهم أو لمنع الانتخابات«.
عضو تكتل «القوات اللبنانية« طوني أبو خاطر يحدد أولوية القوات بـ»انتخاب رئيس جديد للجمهورية كونه المحرك الأساسي للدولة، وبعد ذلك تأتي مهمة إيجاد قانون متطور يعيد تشكيل المجلس النيابي بشكل أفضل، فاحترام الاستحقاقات الدستورية هو العمود الفقري لعودة الأمور إلى طبيعتها، في حين أن الاهتزازات الأمنية الحاصلة يمكن إحتواؤها لأن هناك إرادة داخلية ودولية ببقاء لبنان مستقراً وبعيداً قدر الإمكان عن النار الإقليمية».
أما على مقلب قوى 8 آذار، فإن الأولويات تهدف الى تغييرات أكثر جذرية في الداخل اللبناني، على حد تعبير عضو تكتل «التغيير والإصلاح« النائب ناجي غاريوس الذي يشير إلى أن «أولوية التيار في هذه المرحلة هي الحفاظ على حقوق المسيحيين، بمعنى أن كل الطوائف تساهم في انتخاب النواب المسيحيين ثم يقولون لنا اتفقوا على اسم رئيس للجمهورية ونحن نسير به، وهذا الأمر غير ممكن في ظل الضغط والحسابات التي يعيشها النواب المسيحيون نتيجة إنتخابهم من غير طوائفهم، كما أن انتخاب رئيس للجمهورية مباشرة من الشعب اللبناني أمر ممكن ويمكن إجراء التعديلات الدستورية اللازمة لذلك، إذ منذ عام ونصف العام تم التمديد لمجلس النواب، وبالتالي ما نريده هو إعادة تكوين السلطة بطريقة تحمي حقوق الجميع من خلال إيجاد قانون انتخابي عادل، وأقرب قانون يترجم هذه النظرة هو القانون الأرثوذكسي الذي يؤمن مصلحة الجميع ويمهد لقيام الدولة المدنية«.
يتجنب عضو كتلة «الوفاء للمقاومة« النائب علي فياض التصريح حول الوضع الداخلي، بناء على قرار مركزي متخذ في هذا الإطار، ويكتفي بالقول إن «أولوية حزب الله هي الحفاظ على الاستقرار وحماية لبنان من الإرهاب التكفيري، بمعنى أن الأهمية القصوى لحزب الله هي تحصين الساحة الداخلية من الاهتزار، أما الاستحقاقات الرئاسية والنيابية فالحزب يصرح دائماً بضرورة الإسراع في إنجازها».
وينطلق عضو كتلة «التنمية والتحرير« النائب ميشال موسى من إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية كبند أول في أولويات الكتلة، مشدداً على «ضرورة عدم إقفال المجلس النيابي أمام التشريع حفاظاً على مصالح الناس، أما الاهتزاز الأمني وعلى الرغم من أهميته فلا شغور فيه، بل الشغور والإرباك قائم في المؤسسات السياسية والتي عليها القيام بدورها لدعم المؤسسات الأمنية».
والسؤال الذي يُطرح ألا يمكن أن تتوسع سياسة «ربط النزاع« الحاصلة بين الكتل السياسية، الى تفاهمات تؤدي الى تبديل الأولويات وتمهد الى الخروج من حالة الجمود السياسي الذي تعيشه البلاد؟ يجيب حوري بالقول: «بالنسبة الى تيار المستقبل إن إتمام الاستحقاق الرئاسي هو بوابة الاستقرار الدستوري والأمني والاقتصادي في البلاد، لأن الدستور أناط برئيس الجمهورية الكثير من المسؤوليات، وفي كل الأولويات لا يجوز تعطيل العمل الحكومي الذي يتعلق بجزء أساسي من الحياة اليومية للناس».
من جهته يؤكد وهبي أن «تيار المستقبل و14 آذار لم يرضيا بالتعطيل، وكانا منفتحين على طروحات جديدة للوصول الى خيار التوافق وكررا الدعوة مراراً للأطراف الاخرى لإيجاد رئيس توافقي، وبالتالي نحن منفتحون على كل أشكال النقاش، لكن الطرف الآخر يصر على إنجاز الاستحقاق الرئاسي بشروطه، والتمسك بالتوجه الإيراني الذي يريد أن يبقي ورقة الرئاسة اللبنانية بيده، لاستعمالها أثناء مفاوضاته مع المجتمع الدولي».
يقدم غاريوس رؤية التيار لتغيير الأولويات بالقول «إن الطائف ينص على العيش المشترك، بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، لكن قانون الانتخاب مجحف بحقنا، والحل لا يكون بالتصعيد أو الحروب المتبادلة بل بالاعتراف بأننا مكون مسيحي أساسي يجب احترامه، ومن يريد بناء الدولة عليه احترام حقوق الغير وهذا ما نصبو إليه من خلال تمسكنا بالقانون الأرثوذكسي، لسنا ضد أحد ونريد التعاون لقيام دولة لكن يجب أن تصل الحقوق الى أصحابها على أسس سليمة«.