خارطة الطريق أحيت الآمال بإمكانية فتح ثغرة في جدار الأزمة الرئاسية المستعصية
الحريري يؤشّر لمقاربة جديدة تأخذ بعين الإعتبار مواقف وتوجهات مختلف الأطراف لانتخاب الرئيس العتيد
إن الإعلان عن فتح باب المشاورات مع مختلف الأطراف السياسيين، الحلفاء والخصوم على حدٍّ سواء، يعني عملياً اعتماد أسلوب مقاربة جديد لملف أزمة الرئاسة الأولى
الاقتراحات والأفكار التي تضمنتها خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس سعد الحريري منذ أيام للخروج من أزمة الانتخابات الرئاسية المستمرة منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في الخامس والعشرين من شهر أيار الماضي، أحيت الآمال لدى الكثيرين بإمكانية فتح ثغرة في جدار الأزمة الموصد ومعاودة النقاش السياسي من جديد بين مختلف الأطراف السياسيين للتفاهم على حل متوافق عليه ومقبول من أكثرية هذه الأطراف يمهد لانتخاب رئيس للجمهورية في أقرب فرصة ممكنة، بالرغم من الصعوبات والتعقيدات المحلية والاقليمية التي تعيق التوصل لمثل هذا الحل في الوقت الراهن بفعل تسارع التطورات غير المتوقعة في المنطقة عموماً ولتعارض الأفكار المطروحة مع جملة الاقتراحات والتوجهات اللادستورية واللامنطقية التي أعلنها زعيم «التيار العوني» النائب ميشال عون مؤخراً على قياسه كما يعتقد كثيرون بهدف تسهيل وصوله الى سدة الرئاسة الأولى.
فأهمية هذه الأفكار والطروحات التي أعلنها الحريري حسب مصادر سياسية بارزة أنها تضمنت الآلية الدستورية التسلسلية المنطقية والطبيعية لانتخاب رئيس الجمهورية، باعتبار هذا الانتخاب يشكل الناظم الأساس لكل مكونات السلطة في لبنان، وليس العكس كما حاول البعض إيهام اللبنانيين بذلك، لا سيما وأن الوقائع التي رافقت مرحلة الفراغ بسدة الرئاسة الأولى وتحديداً في الأسابيع الماضية، أظهرت بوضوح الخلل السلطوي في عمل المؤسسات ومدى التخبط الحاصل في تسيير إدارات الدولة ككل بسبب تداعيات ومؤثرات الفراغ الحاصل على وجود الدولة ومصالح المواطنين كافة.
ولا تقل أهمية عن ذلك، التأكيد على الالتزام الكامل والمطلق باتفاق الطائف الذي يشكل الضمانة لجميع مكونات الوطن وشراكتهم بالرغم من محاولات البعض (التيار العوني) الإطاحة به أو تعديله لحسابات شخصية محضة تخص زعيم التيار النائب ميشال عون لتحقيق حلمه التاريخي بالوصول الى سدة الرئاسة الأولى، في حين أظهرت التطورات المحيطة بلبنان وفي العديد من الدول العربية طموح الأطراف السياسية فيها للوصول الى صيغة مشابهة لاتفاق الطائف لاقتسام السلطة في ما بينها وجمع كافة الأطراف المتخاصمين تحت مظلتها كضمانة لوقف التقاتل والحروب المذهبية المستشرية في ما بينها.
وتعتقد المصادر السياسية ذاتها أن إعلان الرئيس الحريري عن فتح باب المشاورات والتواصل مع مختلف الأطراف السياسيين لإيجاد مخرج للأزمة الرئاسية في هذا الوقت بالذات يعتبر مؤشراً مهماً على أن الأسلوب الذي اتبع في التعاطي مع مسألة الاستحقاق الرئاسي منذ حلول الموعد الدستوري لإنجاز هذا الاستحقاق المهم والتي ارتكزت منذ البداية على ترك البت بهذه المسألة للقيادات السياسية المارونية للتفاهم في ما بينها على تسمية الشخصية المقبولة للترشح لمنصب الرئاسة الأولى لم تنجح وقد فشلت بفعل جنوح أكثر من شخصية منها للترشح لهذا المنصب في البداية، ثم تشبث النائب ميشال عون بالترشح متجاوزاً الجميع حتى ولو اقتضى الأمر تعطيل العملية الانتخابية برمتها كما ظهر لاحقاً وما هو مستمر حتى الساعة.
وإذا كان الدافع الأساس لترك مسألة البت باسم المرشح للقيادات السياسية المارونية التجاوب مع رغبة هؤلاء ورغبة العدد من الفاعليات السياسية والدينية باعتبار أن هذا المنصب يخص الطائفة المارونية، ولا بد أن يكون لهذه القيادات كلمتها فيها ولئلا يقال بأن الرئيس سعد الحريري أو غيره هو الذي يسمي هذه الشخصية أو تلك لمنصب الرئاسة الأولى كما يتردد من وقت لآخر لدى بعض هذه القيادات وهذا لا يجوز له، ومرفوض من قبل معظم هؤلاء السياسيين، في حين أن مثل هذه المطالبات مبالغ فيها، كون الانتخابات الرئاسية تخص جميع الأطراف السياسية ولو بدرجات متفاوتة ولكنها ليست محصورة بالمسيحيين فقط.
وتضيف المصادر السياسية أن الإعلان عن فتح باب المشاورات مع مختلف الأطراف السياسيين، الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، والمباشرة فيها على الفور بعد ساعات من طرحها، يعني عملياً اعتماد اسلوب مقاربة جديد لملف أزمة الرئاسة الأولى يختلف عن المقاربة السابقة التي لم تنجح، ويأخذ بعين الاعتبار مواقف وتوجهات مختلف الأطراف السياسيين وليس اعتماد موقف هذا التحالف ضد التحالف الآخر او تبني موقف مرشح بمفرده بمعزل عن مواقف وتوجهات باقي الاطراف الأساسيين، ولا بدّ في النهاية من التوصل إلى مواصفات مرشّح مقبولة من جميع الأطراف أو اكثريتهم على الأقل.
ولا شك أن الردود الأوّلية لبعض الأطراف والقيادات السياسية والدينية والفاعليات على اختلافها كانت مرحبة ومشجعة لما طرحه الرئيس الحريري، ولكن لا بدّ من انتظار بقية مواقف الأطراف المؤثرة لا سيما منها المرتبطة بالقرار الإقليمي، وهذا قد يتطلب وقتاً أكثر مما هو متوقع وذلك رهن بمسار التطورات وتقاطع المصالح.